الجزيرة برس- بنظرة سريعة لمجريات من سقط من قادة وزعماء من دول الربيع العربي ومن لا يزال يصارع ضد تيار الانتفاضات والاحتجاجات الشعبية العارمة، نجد الحكم على الرئيس المصري السابق بالسجن المؤبد في الثاني من يونيو الماضي، وذلك لدوره في قتل المتظاهرين خلال أيام الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في 25 يناير 2011، وانتهت بالإطاحة به في 11 فبراير من العام نفسه.
مبارك هو أول رئيس من رؤساء ما بات يعرف بـ ‘دول الربيع العربي’ يحاكم حضوريا داخل بلاده، وإن كانت الانتفاضات والثورات التي عمت مناطق مختلفة من العالم العربي قد أطاحت برؤساء عرب أخرين غيره في تونس وليبيا واليمن.
أما في تونس فقد هرب الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي إلى السعودية في 14 يناير 2011، بعد انتفاضة شعبية عارمة استمرت لمدة شهر على إثر إحراق الشاب التونسي محمد البوعزيزي نفسه احتجاجًا على ما قيل إن شرطية صفعته وأرغمته على إزالة العربة التي كان يبيع عليها الخضار من على الرصيف. حكم على بن علي غيابيا بعد أن إدانته محكمة تونسية بتهم الفساد وجرائم أخرى قالت إنه ارتكبها خلال فترة حكمه التي دامت 23 عامًا.
وكان لسقوط نظام بن علي أثر هائل على دول عربية أخرى امتد إليها الربيع العربي وشهدت تغيرات درامية، وهناك حقيقة واحدة لا جدال فيها في تونس وهى أن حكومتها الراهنة هى الأولى في تاريخها بأسره التي تعكس إرادة الشعب.
وحقيقة أخرى هى أنه لم يحدث أبدا في تاريخ تونس أن كانت هناك مثل هذه المعارضة القوية للحكومة، فقد بذلت هذه المعارضة قصارى جهدها من أجل منع تشكيل ائتلاف حكومي. بهدف خلق فراغ دستوري عن طريق ترك البلاد بدون حكومة.
وحيث إن الفائز الأكبر في الاحتجاجات هو حزب النهضة، فقد كان هذا يعني منعه من التحالف مع أحزاب أخرى لتشكيل الحكومة، لكن حين فشلت المناورة، وصفوا الأحزاب التي تحالفت مع النهضة بأنهم خونة. ومعارضة اليوم بعدما تأكدوا أن النظام الجديد قد شرع في مسار ديمقراطي وسيضمن حرية الرأي، شعروا بالطمأنينة على سلامتهم. ومن ثم، فقد اتبعوا طريق النقد حتى قبل التشكيل الحكومي بل وحتى كثفوا ذلك النقد، ربما كان الصراخ علاجا جيدا للسياسيين الذين يشعرون بالإحباط جراء الصمت الطويل الذي فرض عليهم، من أجل نهضة تونس وهى محاولات كثيرة خلال عام 2012.
كما أرغم الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح على التخلي عن السلطة في بلاده بعد 33 عامًا من وجوده في سدة الرئاسة، حيث سلم السلطة إلى نائبه عبد ربه منصور هادي الذي انتخب في 21 فبراير 2012 رئيسا للبلاد.
تنازل صالح عن السلطة لنائبه جاء بناء على مبادرة خليجية حظيت بدعم أمريكي ودول أخرى، ولقيت ترحيبا من غالبية من ثاروا ضد نظام صالح من اليمنيين.
ظل صالح متمسكا بالسلطة لحوالي عام تقريبا رغم الاحتجاجات الشعبية العارمة التي شهدتها البلاد ضد حكمه، وعلى الرغم من تعرضه لمحاولة اغتيال عندما ألقيت قنبلة على مسجد القصر الجمهوري أثناء أدائه الصلاة مع مسئولين حكوميين آخرين، وإصابته بحروق بليغة في أنحاء مختلفة من جسده في الحادث.
أما ليبيا الجديدة فهى في حالة متعثرة، حيث يفتقد الليبيون للأمن والاستقرار جراء عمليات عنف خلال 2012 تحدث من حين لآخر في بعض المناطق تنفذها جماعات تصفها الجهات الرسمية بالمجهولة، مما جعل بعض المسئولين يحذرون من سيناريو عراقي أو صومالي، قد يحدث في البلاد ما لم تسارع السلطات إلى احتواء الوضع ومعالجته بحكمة وعقلانية.
ووجدت ليبيا الجديدة نفسها أمام تحديات أمنية بعد سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي، بسبب عدة عوامل، استمرت خلال 2012 منها انتشار السلاح بيد مليشيات خارجة عن سيطرة الدولة وتهديدات أنصار القذافي، إضافة إلى التركيبة القبلية للمجتمع الليبي، والتي جعلت بعض الليبيين يتقاتلون مع بعضهم البعض.
وظلت حوادث العنف في ليبيا مقتصرة في معظمها على المنطقة الغربية وعلى القطاع الشرقي من البلاد، حيث تعرض مقر الاستخبارات العسكرية في بنغازي بداية أغسطس الماضي لهجوم بقنبلة، بعد ساعات من اقتحام مسلحين سجنا بالمدينة وإطلاق معتقل يدعى سالم العبيدي، يشتبه بضلوعه في اغتيال قائد أركان جيش التحرير الراحل اللواء عبدالفتاح يونس أثناء الثورة في بنغازي.
ولم تسلم البعثات الغربية من هجمات المسلحين المجهولين في بنغازي، حيث تعرضت قافلة عربات تابعة للقنصلية البريطانية لهجوم بقذيفة في يونيو الماضي وحاول مسلحون عرقلة انتخابات المؤتمر الوطني العام التي جرت في 7 يونيو الماضي، حيث قاموا بنهب مقر المفوضية العليا للانتخابات في بنغازي، بينما أضرم آخرون النار في مخزن يحتوي على أدوات للتصويت في مدينة أجدابيا.
وكانت مناطق بغرب ليبيا قد شهدت بدورها منذ شهور اشتباكات دامية، بين أفراد من قبيلة المشاشية ومجموعات مسلحة من قبيلة قنطرار ومدينة الزنتان، على بعد 170 كيلومترا جنوب غرب طرابلس مما دفع السلطات في يونيو الماضي إلى جعلها ‘منطقة عسكرية’ وحذرت من استخدام القوة، وكل ما يلزم ضد مصادر النيران التي تستهدف المدنيين الأبرياء.
وعلى وقع هذه التوترات الأمنية، حذر مسئولون ليبيون من فوضى واقتتال داخلي، حيث حذر زعيم تحالف القوى الوطنية محمود جبريل – في تصريحات له مؤخرًا – بأنه ‘لو استمرت الاغتيالات والتفجيرات في بنغازي، فإن هناك مخاوف من أن تتحول ليبيا إلى عراق أو صومال آخر’.
فتلك الاغتيالات والانفجارات في بنغازي سببها رفض البعض لنتائج الانتخابات، إذ تصدر تحالف القوى الوطنية – ذو الخلفية الليبرالية – المشهد الانتخابي، وحل حزب العدالة والبناء المقرب من الإخوان المسلمين.
ومازالت تسعى السلطات الليبية إلى تجاوز هذه التحديات الأمنية عبر استكمال عملية الانتقال الديمقراطي عن طريق انتخابات المؤتمر الوطني العام في يونيو الماضي، والتي لقت ترحيبا دوليا وعربيا، وأيضا من خلال محاولة نزع سلاح المليشيات.
ووسط تطلع الليبيين لحياة مستقرة سياسية وأمنية جاءت أزمة تشكيل الحكومة الليبية وقرار المؤتمر الوطني العام ‘البرلمان’ عدم منح الثقة لرئيس الوزراء المكلف مصطفى أبو شاقور ليظهر المشهد السياسي بتأجيل أحلام الليبيين.
فليبيا شأنها شأن كل من هبت عليهم رياح الربيع العربي مازالت تصارع على عدة جبهات فالمخاض عسير والأثمان باهظة من أجل نجاح ثورتهم.
وفي سوريا يبقى الوضع مأساويا في ظل رئيس ما زال يصارع من أجل البقاء على جثث أكثر من أربعين ألف شهيد، وليبقى بشار الأسد مترنحًا قاب قوسين أو أدني من الرحيل.. لكن لا أحد يعرف كيف تكون نهايته.
صحيفة الدستور