يستحق “ الرسول “ إجازة رسمية :عبدالعزيزالهياجم
الجمعة 13 ربيع الأول 1434ﻫ 25-1-2013م

 

قبل أيام قرأت ابنتي بصوتٍ عالِ وبفرحة عنوان خبر في الصفحة الثالثة يقول: « الخميس إجازة رسمية في المؤسسات الحكومية والشركات بمناسبة المولد النبوي الشريف » لكن سرعان ما تلاشت علامات الابتهاج التي ارتسمت على وجهها بعدما أخبرتُها أن الصحيفة التي أمامها هي صحيفة الخليج الإماراتية وليست صحيفة الثورة أو صحيفة الجمهورية. 

ومع أنني زدت على ذلك أيضاً بالتوضيح أنه حتى لو كان إجازة رسمية هنا في اليمن بهذه المناسبة فلن تستفيد هي منها طالما لديها اختبارات النصف الأول , إلا أنني تساءلت في قرارة نفسي : لماذا في الإمارات يعتمدون إجازة رسمية بمناسبة المولد النبوي الشريف على صاحبه أفضل الصلوات والتسليم , ولا نحتفل نحن أبناء هذا الوطن خصوصاً وأنه ارتبط بنا الحديث النبوي الشريف « جاءكم أهل اليمن هم أرق قلوباً وألين أفئدة , الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية » صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم . 

صحيح أن ذكرى المولد النبوي التي صادفت أمس الخميس قد صاحبها إحياء فعاليات بسيطة في المساجد أو تحديداً في بعض المساجد , وصحيح أن هناك أطرافاً أو تيارات احتفلت أمس مضفية على احتفالاتها بعداً سياسياً وجعلت منها مناسبة لإطلاق شعاراتها التي تلهب حماس مناصريها أكثر من كونها خالصة لذكرى الرسول الأعظم ’ لكن ما تقدم لا يعفينا من مسؤولية وضع تساؤل كبير على طاولة الجهات المسؤولة في الدولة : لماذا لا تعتمد الحكومة المولد النبوي الشريف كيوم عطلة رسمية أسوة بكثير من الدول العربية والإسلامية , وحتى لو لم يكن إجازة رسمية في سائر الأقطار العربية والإسلامية الأخرى , كان ينبغي علينا أن نعتمدها إجازة أسوة بالإجازات الرسمية المعتمدة في سائر بلدان العالم المسيحي الغربي والشرقي في ذكرى ميلاد نبيهم سيدنا المسيح عيسى عليه السلام. 

ليس بالضرورة أن نردد في ذكرى المولد النبوي الشريف شعارات محرضة ولا ينتظر منا رسولنا الكريم تنفيذ عمليات مفخخة تستهدف مصالح أو كنائس أومعابد أو رعايا أجانب، وإنما ينتظر منا أعمالاً تجسد روح التسامح التي تعامل بها الرسول الكريم محمد بن عبد الله مع من آذوه ومع أتباع الديانات الأخرى وخصوصاً اليهودية والمسيحية , وتجسيد روح التسامح عند المسلمين عموماً والتي تبدو في حُسن المعاشرة ولطف المعاملة , ورعاية الجوار وسعة المشاعر الإنسانية المتمثلة في البر والرحمة والإحسان. 

يستحق رسولنا الكريم محمد إجازة رسمية ليس من أجل أن نتفرغ لمظاهرة تتجه إلى المدينة السياحية بصنعاء والتي يقطنها يهود من المبعدين من صعدة ونردد أمامها وأمام السفارة الأمريكية المجاورة لها «شعارات محرضة» بل من أجل أن ندفع أطفالنا ليهدوا زهوراً ووروداً لأبناء الطوائف الدينية الأخرى وأن تصنع نساؤنا طعاماً شهياً نقدمه لهم هدية من نبينا محمد «صلى الله عليه وسلم» في ذكرى مولده الشريف . 

أنا شخصياً كنت أيضاً أتمنى أن يكون المولد النبوي الشريف إجازة رسمية حتى يتسنى لرئيس الجمهورية دعوة واستقبال أيٍ من أقارب الفيلسوف الفرنسي المسلم الراحل روجيه جارودي الذي فارق الحياة في يونيو 2012 دون أن يلتفت إليه أحد في عالمنا الإسلامي . 

كنت أتمنى أن يكون المولد النبوي الشريف لهذا العام مناسبة لتكريم جارودي بأعلى وسام أو قلادة في الجمهورية ، تقديراً لمواقفه الشريفة ونظرياته ومؤلفاته التي أنصف فيها رسولنا الكريم ودافع من خلالها عن الإسلام، ويكفي أنه مؤلف كتاب «محاكمة الصهيونية الإسرائيلية» والذي جعله هدفاً لحرب شعواء شنتها عليه الدوائر الصهيونية عبر اتهامه بمعاداة السامية ،وبلغ الأمر حد إدانة محكمة فرنسية لجارودي بتهمة التشكيك في محرقة اليهود « الهولوكوست». 

الرسول الكريم في غنى عن الهتافات الجوفاء التي تصدح بها بعض الحناجر في أحياء صنعاء أو أدغال صعدة , وفي غنى عن التفجيرات التي يذهب ضحاياها أبرياء ،سواء في أبين أو في العاصمة أو غيرها , هو في حاجة إلى كل عمل يقدم الإسلام ويرسم للآخرين صفات الرسول ومزاياه في أبهى وأنقى صورة ويدحض مزاعم الصهاينة وغيرهم , وقد فعل جارودي ذلك في قلب أوروبا وتحمل كل الأذى حتى رحل .