لا يتفق عربيان بشأن وصول الإيرانيين مع المجتمع الدولي إلى اتفاق بشأن النووي. وعندما أقول إنه لا يتفق عربيان، فلا أقصد بذلك أحباب إيران وخصومها، بل أقصد الخصوم على وجه الخصوص، الذين ينقسمون إلى ثلاثة آراء. الأول، وهو الأكثر، يصرّح بعدم الاهتمام وكأنّ الأمر سيّان، وإن خالطت لا مبالاته بعض وجوه الإعجاب بإيران التي وصلت إلى منزلة إسرائيل في أن الغرب يظلُّ حريصاً على استرضائها، ولو حاولت إنتاج سلاح نووي يهدد إسرائيل! أما الرأي الثاني فيرى أنّ إيران انتصرت بسبب دعم الروس والصينيين وتخاذُل إدارة أوباما. ويستدلون على ذلك بأنّ أقرب حلفاء أميركا بالمنطقة (إسرائيل) هي الأشدّ انزعاجاً من الاتفاق، والأشدّ خوفاً من عواقبه عليها، لأنه سلّم بوضع إيران على «عتبة النووي». فالاتفاق مع إيران على شأن مهم وخطير كهذا يعني إمكان الاتفاق سراً على أُمور أُخرى ضمنها التخريب في البلاد العربية. وهذا يعني تقدماً لإيران في العراق وسوريا. وقد تُعطى وظيفة مثل التي كانت لحافظ الأسد. فبحجة مقاتلة إسرائيل وأميركا سيسارع إلى إيران المعارضون العرب، اليساريون والقوميون والإسلاميون، وتصبح وظيفتها احتضانهم، وإعادة استخدامهم ضد بلدانهم بحجة مكافحة الرجعية أو التخاذل أمام أميركا وإسرائيل! وفي نظر هؤلاء، فإنّ الأموال الهائلة التي ستستعيدها إيران، ستصبُّ في خانة التخريب والابتزاز من جهة، وفي خانة إغراء الغرب من جهة ثانية، والذي ستستميت شركاته على الدخول في مشروعات عملاقة مع إيران.
أما الفريق الثالث، فهو فريقُ التحدي من جهة، والسياسات الواقعية من جهة أُخرى. يقول المتحدثون باسم هذا الفريق إنّ إيران لم تكسب في المسألة النووية. إذ بعد خلاف هائل منذ عام 1979 (وكان عندها وقتها مفاعلان نوويان موروثان من أيام الشاه)، أوقفت عند «العتبة النووية» التي كلّف الوصول إليها حوالى مائة مليار دولار، فضلاً عن الحصار واحتجاز الأموال، والذي كلّف نحو خمسمائة مليار دولار، فضلاً عن الآثار المفزعة على البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية. ثم إننا نحن العرب ليست لنا مصلحة غالبة في مُعاداة النووي الإيراني، وكان يمكن استخدامه في مواجهة النووي الإسرائيلي للتخلص من الاثنين. وقد جرت عشرات الحروب بالمنطقة بين الهند وباكستان وبين العرب وإسرائيل. والهند وباكستان بلدان نوويان، وكادت إسرائيل تهزم عام 1973. وفي الحالتين ما جرى استخدام النووي. لأنّ النووي فيه هلاكٌ للطرفين المتحاربين وليس لطرف واحد. ومع ذلك تستطيع دول عربية عديدة الحصول على النووي للأغراض التكنولوجية والسلمية وتهيئة البنية لذلك. أما القول بأنّ إيران ستكسب علاقات مختلفة مع الولايات المتحدة تتفوق فيها على العلاقات الأميركية العربية، فهذا الأمر رهْنٌ بالكفاءة العربية، وبالتكتل العربي، وبتغيير طرائق التعامل مع تركيا وباكستان وإندونيسيا والهند والصين. وإذا قيل إن إيران ستتمكن بالأموال المفرج عنها من التخريب في العالم العربي وشراء المزيد من الأنصار، فالإجابة أنّ إيران خرّبت واشترت في معظم الدول العربية في زمن عُسْرِها. وباستثناء سوريا فهي تكسب الآن من الناحية المادية. يستطيع حسن نصرالله أن يساعد خامنئي الآن بفضل استيلائه على موارد الدولة اللبنانية! كان التقدير أنّ النظام السوري يكسب من لبنان يومياً في حدود 3 ملايين دولار. ونحسب أن الحزب لا يقل كسبه عن ذلك إن لم يزد! ولنتأمل ماذا أصاب الفريقين السنيين الرئيسيين اللذين يعملان مع إيران بعد الثورة السورية، ونقصد حركتا «الجهاد الإسلامي» و«حماس». ما استطاعت الحركتان الدخول في عمليات قتل الشعب السوري، مع أنهما دخلتا منذ عام 2007 في الاقتتال الداخلي الفلسطيني بطلبٍ وتوجيهٍ من إيران والنظام السوري!
سنظل نتنافس مع إيران، ونتفاوض معها أيضاً. ولا أظن أن علاقات إيران الجديدة مع أميركا ستستقر وتنمو بسبب المصالح المتضاربة واللوبي الصهيوني. إنما على أي حال، علينا أن نتغير لكي نبقى، والنجاح ليس بالأماني، وغداً يومٌ آخر!
*نقلاً عن “الاتحاد” الإماراتية