الفتنة التي يمر بها وطننا الحبيب , وصلت الى حدودها القصوى التي يمكن ان تفضي الى كارثة تذهب بهذا الوطن نحو مصير مجهول لا يعلمه الا الله . ولم يعد الوقت متاح للبحث على من ايقظ هذه الفتنة بعد أن كانت نائمة، او كانت غير موجودة أساساً . ومن زاد في تفاقم نيرانها التي بدأت تلتهم كلما هو جميل على تراب هذا الوطن . فالمطلوب الان سرعة اخماد نيران الفتنة قبل ان تحرق كل شيء في حياتنا . ويقف العالم يوما ما على اطلال ما كان يسمى ذات يوم باليمن السعيد .
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو من يستطيع اخماد نيران الفتنه في بلادنا بعد ان وصلت الى هذا الحد المخيف ؟؟ والحقيقة ان اخماد نيران الفتنة المشتعلة بكل اجزاء هذا الوطن الجريح والمنهك لم تعد اليوم في حدود مقدرة شخص او طرف سياسي بعينه , بل لا بد من تكاتف وتعاون كل ابناء هذا الوطن الشرفاء , والقوى الحية والمخلصة لهذا الوطن، والحريصة على إعادة التفاهم والوئام إلى كل أبنائه على اختلاف اتجاهاتهم وانتماءاتهم الفكرية والسياسية.
وهذه القوى القادرة أو بالأحرى المؤمل في قدرتها على إخماد نيران الفتنة تتمثل بكافة العقلاء من القيادات السياسية والاجتماعية المستقلة او المنضوية تحت راية الأحزاب والمنظمات التي باتت تدرك قبل غيرها نتائج استمرار الفتنة وعواقب التمادي في الصراع، انطلاقاً من حقيقة كبرى ومعروفة سلفاً وهي أن لا أحد سيخرج من رماد الفتنة منتصراً أو رابحاً، وأن المتفرجين سينالهم نصيبهم من الخسران.
ان العودة الى دائرة الحكمة ومنطق الصواب وإيقاف تغذية نيران الفتنة بالوقود اليومي فضيلة دينية وإنسانية راقية ومطلبا ضروريا وهاما من جميع اطراف العمل السياسي في هذا الوطن , فالاندفاع وراء منطق الحقد والانتقام المتبادل بوحشية بين الأطراف المتصارعة لا يمكنه ان يبني دولة او يكون مدخلا مناسبا إلى تحقيق سلام وامن واستقرار لأبناء هذا الوطن. ولا شك ان أطراف الصراع اليوم في بلادنا واضحة، وأسباب الصراع أكثر من واضحة، وعلى الغالبية الصامتة غير المنتمية إلى هذا الطرف أو ذاك ألا تدفن رأسها في الرمال وتنتظر الحل أن يهبط من الفضاء أو يأتي معلباً من واشنطن أو لندن. فالحل لا بد ان يكون يمنيا خالصا , وهو يبدأ من خلال الاعتراف المتبادل بحق كل المكونات الوطنية في أن تكون حرة في اختيار نهجها الفكري والسياسي، وأن تشارك في هيكل الدولة ومؤسساتها دون تجاهل أو إقصاء لكفاءاتها أو من يمثلها في الحياة العامة بعيداً عن الاتهامات والمماحكات. وعلى جميع الاطراف السياسية الاتجاه نحو المشاركة في بناء المستقبل ووضع الخلافات جانباً وأن يمضي الجميع نحو التخطيط لمستقبل كريم يحقق للشعب المسكين الامن والامان والعيش الكريم ، فالأبطال الحقيقيين في كل الشعوب وفي كل العصور هم أولئك الذين يصنعون السلام ويحافظون على الوئام بين أبناء وطنهم ويعملون جاهدين على تنقية القلوب من الكراهية والأحقاد المتوارثة، وهم لا يظهرون إلاّ في مثل هذه الظروف والازمات الخطيرة ، ولا تكون الأجيال الراهنة هي التي تدين لهم وتقدر مواقفهم بل الأجيال القادمة أيضاً.
وختاما اقول : يجب علينا اليوم ان ندرك يقينا ان وطننا مسئوليتنا جميعا , فعلينا ان نتخلص من امراض الماضي ونؤمن بأن مشاكل وازمات وطننا تحتاجنا جميعا. وعلينا ان نؤجل احلامنا الصغيرة من أجل تحقيق حلم اكبر فى العبور إلى المستقبل. وان نؤمن بأن اليمن وطن لنا جميعا وليس لنا وطن غيرها وان الآخرين لن يساعدونا إلا إذا ساعدنا انفسنا . وعلينا جميعا ان نتق الله في هذا الوطن ونحذر من تفاقم نيران الفتنة ونجسد الحكمة اليمانية التي عرفنا العالم بها قديما وحديثا في تحاورنا ومعالجاتنا لقضايا الوطن وتعاملنا معها . وعلينا ان ندرك يقينا إننا جميعا نبحر على ظهر سفينة واحدة هي سفينة الوطن ومسؤوليتنا أمام الله والتاريخ والأجيال القادمة أن نوصلها إلى بر الأمان، لأنه إذا ما عصفت بها أعاصير الفتن والتحديات والأخطار التي نجابهها اليوم فستغرق في بحر الفرقة والتمزق والصراعات والفوضى التي ليس لها قرار . فلنحرص على أن نصل بسفينة الوطن إلى بر الأمان وشاطئ النهوض والتقدم والاستقرار , والله يوفق الجميع لما فيه خير اليمن وتقدمها وأمنها واستقرارها.
=======
*أستاذ التسويق المشارك / جامعة تعز
dralhariry@gmail.com
التغيير نت