لا أحد يفهم، لا أحد يريد أن يفهم : الدكتور عبد العزيز المقالح
الأربعاء 8 ربيع الثاني 1436ﻫ 28-1-2015م

 

في هذه الكلمات التي شكّلت عنوان هذا الحديث ما يكاد يكون لسان حال العقلاء في الوطن العربي عامة وفي بلادنا خاصة، وهي تحدد أبعاد المأساة التي صنعت الأوضاع الراهنة. والمشكلة الأساس ليست في الجملة الأولى من هذا العنوان “لا أحد يفهم” وإنما في الجملة الثانية “لا أحد يريد أن يفهم” فالإصرار على عدم الفهم يقوّض كل المحاولات الهادفة إلى تفهيم من لا يفهم. وهذا الإصرار يكاد يكون صفة ثابتة من صفات النخبة العربية السياسية تلك التي لا تريد أن تغير من توجهاتها الأنانية والإقصائية. ولا تريد أن تعترف للآخر بحقه في أن يكون مخالفاً لها في وجهة نظرها، وأحياناً لا تريد أن تعترف بهذا الحق حتى لمن هو معها في التيار أو التنظيم الذي تنتمي إليه وهنا تكمن مأساة العرب قبل التعددية الحزبية وبعدها، في نظام الفرد الذي كان يتحكم في كل شيء، وفي نظام الأقلية الحزبية التي تريد أن تتحكم في كل شيء.

مشكلتنا إذاً في هذه البلاد كما هي في الوطن العربي الممتد من المحيط إلى الخليج تتمثل في عدم الفهم، لأن الفهم يشكل بداية الإدراك للأمور والمواقف والقضايا، ولأنه المدخل الحقيقي إلى أن يفهم الناس بعضهم وإلى أن يتفهموا حدود واجباتهم وحينئذ تذوب الخلافات ويسود الوئام ويعرف كل إنسان هدفه وغايته من وجوده في المجتمع والدور الموكل إليه. وفي اتساع دائرة الفهم يبدأ الشعور بأهمية الآخر، وأهمية رأيه في استقامة الأمور ومواجهة الأخطاء قبل أن تكبر وتستفحل ويكون من الصعب معالجتها أو مواجهة ردود أفعالها. يضاف إلى عدم الفهم، وعدم الاستعداد للفهم موقف آخر يتجسد في سوء الفهم وفي تأويل ما يقال وفقاً لما استقر في النفوس من سوء النية المبيّتة التي من شأنها تحريـف المقاصد الحسنة، وهي محنة عقلية وأخلاقية يطول شرحها ويتسع انتشارها في الشعوب التي عانت من الجهل طويلاً وافتقدت قياداتها المتتابعة القدرة على التفريق بين المقاصد الحسنة والمقاصد السيئة.

ولا يكاد يخرج الواقع الراهن في بلادنا ومشكلاته العويصة عن هاتين الحالتين حالة عدم الرغبة في الفهم وحالة سوء الفهم. ومن هاتين الحالتين تكونت المعضلات المتلاحقة وتراكمت الأخطاء وتكاثرت الاختلافات والخلافات. ووصلت البلاد إلى ما هي عليه من انكسار وانهيار وإلى ما عليه ابناؤها من تطاحن وتشاحن. ومن يستعرض كل ما قيل في الآونة الأخيرة من دعوات إلى استرجاع الوعي والاحتكام إلى العقل وما تم استعراضه من تجارب محلية وعربية وإسلامية وعالمية يتأكد لديه أن الأذهان كانت مقفلة وغير قادرة على استيعاب المتغيرات أو النظر في الواقع من غير الزاوية التي اعتادت النظر من خلالها، وأن كثيراً من المواقف الخاطئة ليست ناتجة عن حسن نية بل عن سوء قصد متعمد وعن إصرار في عدم فهم ما يترتب عليها من مواقف وردود أفعال ليست في صالح أحد حتى أولئك الذين قاموا بها أو وافقوا على القيام بها.

إن الفهم، والفهم وحده هو الطريق الصحيح إلى مواجهة الأخطاء وإلى العيش المشترك القابل للرأي الآخر المختلف. والبداية من فهم أنفسنا ومن لا يفهم نفسه لا يفهم غيره، وإذا نجحنا في هذا البلد الذي يطحن نفسه بنفسه في أن نفهم أنفسنا ونفهم بعضنا فإن كل الأقوال والأفعال تبقى بعيدة عن القضايا الأساسية التي تؤرق الملايين من أبناء هذا الشعب. ومن يقرأ أوضاعنا الراهنة بعين البصيرة الثاقبة لا يمكن إلاّ أن يدرك هذا المعنى بوضوح، وقد يتساءل –وهو يرى الأهداف واحدة والرؤى نحو ضرورة التغيير مشتركه- لماذا إذاً الاختلاف؟ وما سبب افتعال المعارك الساخنة بين حين وآخر؟ لا أحد ممن يمتلك الحد الأدنى من الوعي في هذا البلد لا يدرك أن الغالبية تعاني من ضنك اقتصادي ومن فاقة اجتماعية، وأن الخلافات المثارة لا تخفف من واقع المعاناة بل تُفاقِمُها وتضاعف من آثارها المؤلمة والمدمرة.

رداد السلامي في “سيرة الضوء”:

عنوان السيرة “مسمار في جدار الذاكرة” ولها مقدمة بديعة بقلم الكاتب يشرح فيها موقفه من الكتابة إسلوباً ورؤية وكيف أن العفوية تقود المبدع إلى حيث يريد وإلى حيث لا يريد. ومن يقرأ السيرة يدرك أبعاد هذه التداعيات العفوية في لغة سردية صافية تطرح كثيراً من القضايا الفكرية والاجتماعية. الكتاب من منشورات مؤسسة أبرار ويقع في 198 صفحة.

تأملات شعرية:

نحن في البيت

أو في المكاتب،

في بؤسنا

نتكلم يا سادتي

لغةً واحدةْ.

بيد أن رجال السياسةِ

لا يعرفون سوى لغة اللاّتفهم

واللاّتقارب

لا يعرفون سوى لغةٍ رخوةٍ

ومضببّةٍ فاسدةْ.

“الثورة”