قمة الرياض.. أهمية التركيز على دعم البعد الاستثماري التنموي
الخميس 12 ربيع الأول 1434ﻫ 24-1-2013م

 

الجزيرة برس- معهد العربية للدراساتتمثل القمة التنموية الاقتصادية والاجتماعية الثالثة التي عقدت بالرياض يومي الاثنين والثلاثاء 22 و 23 يناير/كانون الثاني الماضي أهمية خاصة، وخاصة في أربعة جوانب رئيسية توافقت عليها القمة، ستوضحها هذه الورقة لمعهد العربية للدراسات والتي تستعرض الواقع الاقتصادي والاستثماري العربي ومشاكله.

بداية يمكمننا القول إنه قد سيطر على عملية التكامل الاقتصادي في العالم لزمن طويل منهج يستند إلى تحرير التجارة باعتباره الطريق الوحيد تقريبا لإنجاز التكامل بين اقتصادات عدة دول. ومن غير الخفي أن سيطرة هذا النهج تعود بشكل أساسي إلى أن تجربة البلدان الأوروبية كانت هي التجربة الكبيرة الوحيدة التي يجري الاسترشاد بها دوما. 

هذا على الرغم من أن تأسيس العمل الاقتصادي الأوروبي جرى أولا عبر إقامة مجموعة الفحم والصلب وهي مجموعة كانت تتكون من ستة دول أوربية تهدف إلى العمل على الحيلولة دون اندلاع حرب جديدة في أوروبا لاسيما بين فرنسا وألمانيا وقد تم توقيع اتفاقية المجموعة في عام 1951، وكان الغرض الرئيسي لها هو تنمية عملية إنتاج وتسويق الفحم والصلب في الدول الأعضاء. ثم تحولت الدول الأوربية مع القفزة الاقتصادية التي تحققت، واستكمال إعادة بناء هياكلها الاقتصادية بحلول نهاية الخمسينيات من القرن الماضي إلى نهج تحرير التجارة لتحقيق التكامل الاقتصادي بينها. 

ورغم أن نهج تحرير التجارة يعد السائد عالميا كوسيلة لإنجاز التكامل الاقتصادي، فإن استقراء النتائج العملية لهذا النهج خاصة في العالم النامي تكشف أنه لم يكن الوسيلة المناسبة أبدا لتحقيق هدف التكامل. وتكشف تجربة العالم العربي بوجه خاص عن اخفاق هذا النهج بكل وضوح. إذ بعد إنطلاق الدعوة إلى تحرير التجارة العربية وتأسيس السوق العربية المشتركة منذ أكثر من خمسة عقود ما زال مستوى التجارة البينية العربية يتراوح بين 8% إلى 12% من التجارة الإجمالية للدول العربية، ولا يعود ذلك كما يرى البعض إلى مجرد عدم توافر الإرادة السياسية، بل يعود من حيث الجوهر إلى عدة قيود موضوعية تتسم بها الهياكل الاقتصادية والعلاقات الاقتصادية العربية في الوقت الراهن. 

وأول هذه القيود يتعلق بتشابه هياكل الإنتاج والتجارة في كثير من الدول العربية بحيث تتركز أغلب صادراتها في بعض المنتجات من المواد الخام أو السلع نصف المصنعة المستندة إلى هذه المواد الخام كصادرات النفط الخام والغاز وإلى حد أقل البتروكيماويات أو كصادرات الفوسفات وبعض المنتجات القائمة عليه، إضافة طبعا إلى نسبة أقل بكثير من السلع نصف المصنعة والمصنعة وبعض المنتجات الزراعية كالخضروات والفواكه واللحوم. 

أما في جانب الواردات فأغلب الدول العربية تستورد حاجاتها الغذائية الرئيسية من الخارج علاوة على طائفة واسعة من السلع الصناعية المعقدة أو ذات التكنولوجيا المتقدمة نسبيا مثل المعدات والآلات ومعدات النقل والسيارات والأجهزة الكهربائية والإلكترونية، إضافة إلى نسبة أقل من السلع الخام ونصف المصنعة والمصنعة التي يسهم بها عدد ضئيل من الدول العربية لا سيما في القطاعات التي تقع على أولى درجات سلم التصنيع مثل الملابس الجاهزة والغزل والمنسوجات أو تجهيز بعض السلع الغذائية.

القيد الثاني يتمثل في خوف أغلب الدول العربية من أثر المنافسة الخارجية على قطاعاتها الاقتصادية الإنتاجية وخاصة القطاع الصناعي لمحدودية هذا القطاع ومنتجاته وأهميته في توظيف عدد من الأيدي العاملة خاصة في الفروع كثيفة العمالة وفي المشروعات الصغيرة والمتوسطة. من هنا نجد ميل كافة الدول العربية إلى تحديد قائمة كبيرة نسبيا مما يسمى بالقائمة السلبية التي لا تشملها إجراءات تحرير التجارة بين الدول العربية وبعضها البعض وبشكل ينتهي في النهاية مع ضخامة عدد السلع التي تشملها هذه القوائم السلبية إلى عدم وجود الكثير مما يمكن أن يتم المتاجرة به. ناهيك عن أنه حتى في حالة الموافقة على تحرير التجارة فإنه غالبا ما يتم الالتفاف على إجراءاتها ببعض القيود غير الجمركية وخاصة ما يتعلق منها بالصحة والسلامة وتعقد إجراءات شهادة المنشأ.. إلخ. 

كما أنه لا يمكن أيضا تجاهل أن نسبة كبيرة من التجارة العربية البينية تعد مماثلة هي ذاتها لهيكل التجارة العربية مع العالم الخارجي. حيث يسيطر النفط على نسبة كبيرة من هذه التجارة حيث يتدفق النفط والغاز من الدول المنتجة إلى بعض الدول المستهلكة التي تفتقر للنفط ومنتجاته مثل الأردن ولبنان والمغرب، أو لإجراء بعض عمليات التصفية والتصنيع عليه مثل صادرات النفط الخام من المملكة العربية السعودية للبحرين.

ويخلص التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2011 وهو التقرير الذي يشارك في إعداده كل من الأمانة العامة لجامعة الدول العربية وصندوق النقد العربي والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي ومنظمة الأوابك إلى أنه ” فيما يتعلق بالتجارة البينية العربية في عام 2010 سجلت قيمة الصادرات البينية زيادة طفيفة مقارنة بعام 2009 لتبلغ 77.7 مليار دولار، ولقد أدى ارتفاع قيمة الصادرات الإجمالية العربية بنسبة تفوق نسبة الزيادة في قيمة الصادرات البينية إلى تراجع حصة الصادرات البينية إلى الصادرات الإجمالية لتبلغ 8.6% وذلك بعد أن كانت تبلغ 10.7%، وكذلك الأمر بالنسبة لحصة الواردات البينية في الواردات الإجمالية التي تراجعت لتبلغ 11.8% بعد أن كانت قد وصلت إلى 12.2% خلال عام 2009″ وبخصوص تطور هيكل التجارة السلعي أشار التقرير إلى أنه “بلغت قيمة التجارة البينية للبترول الخام نحو 10.9 مليار دولار في عام 2010 مشكلة حصة 14.2% من التجارة البينية. ويضيف التقرير “تشير التطورات في الهيكل السلعي للتجارة البينية إلى تركزه في المصنوعات الأساسية والبتروكيماويات في حين تبقى حصة التجارة البينية من السلع المصنعة كالأجهزة ومعدات الاتصالات والأجهزة الالكترونية والحاسبات متواضعة، والتي تستوردها الدول العربية بكثرة من من الأسواق غير العربية. مما يتطلب تطوير الإنتاج الصناعي وتكثيف جهود التعاون الصناعي العربي المشترك نحو تأسيس صناعات منتجة لهذه السلع كثيفة المهارة وذات القيمة المضافة العالية”. 

باختصار يمكن القول إذا أن الطريق نحو إنجاز تكامل اقتصادي عربي حقا لن يستند قطعا كما يوضح التطور التاريخي إلى تحرير التجارة، حيث ينبغي التفكير أولا في إنتاج السلع حتى يمكننا الحديث لاحقا عن تحرير التجارة في هذه السلع. 

لكل هذا يعد تدعيم منهج بديل يمكن أن ننعته بالمنهج التنموي هو الأكثر قدرة على إنجاز عملية التكامل الاقتصادي العربي. ومن هنا تأتي أهمية ما انتهت إليه القمة التنموية الاقتصادية والاجتماعية الثالثة التي عقدت بالرياض يومي الاثنين والثلاثاء 22 و 23 يناير، وخاصة في أربعة جوانب رئيسية توافقت عليها القمة.

الجانب الأول يتعلق باعتماد القمة الاتفاقية الموحدة (المعدلة) لاستثمار رؤوس الأموال بالدول العربية لكي تأخذ في الاعتبار ما طرأ من تطورات على الساحة العربية ولإتاحة المناخ الملائم لكي يتم تشجيع تدفق المزيد من الاستثمارات العربية البينية. وهو أمر مهم للغاية في ظل وجود فوائض مالية كبيرة تحققها بعض البلدان العربية، وبحث هذه الفوائض عن مجالات لاستثمارها، وفي الوقت ذاته توجد دول عربية في أمس الحاجة إلى الاستثمارات التي تمكنها من دفع عملية التنمية والنمو الاقتصادي بها لمعالجة مشكلاتها الاقتصادية المزمنة كالبطالة والتضخم والعجز في موازين المدفوعات وعجوزات الموازنة العامة للدول. ومن البديهي أنه مع عدم توفر المناخ المناسب وافتقار الدول العربية للنواحي المؤسسية الجاذبة لهذه الاستثمارات وضمان عملها أن تتجه تلك الفوائض للاستثمار في أقنية خارج العالم العربي.

الجانب الثاني يتعلق بمبادرة المملكة العربية السعودية بزيادة رؤوس أموال المؤسسات والصناديق العربية والمشروعات العربية المشتركة بمقدار 50% على الأقل أي ما يقرب من عشرة مليارات دولار. 

ويرتبط هذا الجانب بشدة بالجانب الأول من حيث توفير تمويل لمؤسسات عربية مثل المؤسسة العربية لضمان الاستثمار بشكل يسمح بتفعيل أكثر لاتفاقية استثمار رؤوس الأموال بالدول العربية، أو مؤسسة مثل صندوق النقد العربي التي تتدخل لمعاونة البلدان العربية على مواجهة العجز في موازين مدفوعاتها، أو بالبعد الإنتاجي المباشر عبر زيادة رؤوس الأموال المتاحة للمشروعات المشتركة خاصة تلك الناجحة منها بما يسمح بتوسعها وزيادة إنتاجيتها وقدراتها التنافسية في السوق العربي وفي الأسواق العالمية على السواء.

الجانب الثالث يتعلق بالتأكيد على أهمية تفعيل ما اتخذ من قررات في القمتين السابقتين وخاصة ما يتعلق منها بصندوق دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة الذي بلغ حجم رأس ماله 1.2 مليار دولار منها 500 مليون دولار مقدمة من كل من السعودية والكويت. وتكمن أهمية هذا الصندوق من زاوية أن هذه المشروعات تتميز بأنها كثيفة العمالة وهو ما يوفر حلا لمشكلة البطالة التي تعد واحدة من المشكلات المهمة -إن لم تكن المشكلة الأهم- التي تجابه البلدان العربية الآن، وخاصة أن هذه البطالة تتركز بين الشباب والمتعلم منهم على وجه أخص. إضافة إلى البدأ بتنفيذ قرارت القمتين السابقتين فيما يتعلق بتدعيم عمليات الربط البري والحديدي والكهربي.

الجانب الرابع هو اعتماد القمة الاقتصادية والاجتماعية الثالثة بالرياض للإستراتيجية العربية لتطوير استخدامات الطاقة المتجددة (2010-2030)، إذ من المخجل حقا أنه في مجال الطاقة الشمسية على سبيل المثال تعد المنطقة العربية هي الأكثر توفرا على الظروف المناخية المناسبة لتوليد هذه الطاقة، إلى الحد الذي دعا أوروبا إلى التفكير في إقامة مشروع لتوليد الطاقة الكهربية في المنطقة العربية ثم تصديرها لأوروبا، وتكون في الوقت ذاته من بين الأقاليم الأقل تطويرا لمثل هذه الطاقة ولا يخفى أهمية البعد البيئي والتنموي والتكاملي المرتبط بتطوير مثل هذه الطاقات. 

وصحيح أن القمة قد أكدت أيضا على استكمال متطلبات منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى التي تضم 15 بلدا عربيا قبل نهاية عام 2013، والتوصل لاتفاقية الاتحاد الجمركي بحلول عام 2015. إلا أنه وكما سبق التوضيح في هذا العرض فإن هذه ربما ستبقى أقل المجالات من حيث معدلات وسرعة التنفيذ، وأقلها من حيث البعد التكاملي. فالقضية في نهاية المطاف ترتبط ببعد تنموي يتوخى تشييد هياكل إنتاجية متنوعة ومعقدة في الدول العربية وهو ما تحققه استثمارات عربية بينية أكبر وتدعيم دور المؤسسات والشركات العربية المشتركة ودعم دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وذلك قبل التفكير في تحرير التجارة. ولذا فإن المحاور التي ركزت على البعد الاستثماري التنموي في قمة الرياض ربما هي التي تشكل مناط الأمل في مد قضية التكامل الاقتصادي العربي بفعالية حقيقية والتغلب على المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها أغلب البلدان العربية. 

* دراسة أعدها مجدي صبحي، خبير اقتصادي مصري

العربية نت