عبد الباري عطوان: سحر الانقلاب العسكري انقلب على الساحر
السبت 27 شعبان 1434ﻫ 6-7-2013م

 

كتب- عاطف عبد الهادي:

أكد عبد الباري عطوان رئيس تحرير جريدة “القدس العربي” اللندنية أن سحر الانقلاب العسكري في مصر انقلب على الساحر.

 

وأضاف في مقاله بتاريخ 5يوليو: إن الفريق الأول عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة، ومعه جميع قادة جبهة الإنقاذ المعارضة، قد أساءوا تقدير قوة التيار الإسلامي بقيادة حركة الإخوان المسلمين، عندما أقدم على قيادة الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي، ووضعه رهن الاعتقال.

 

المشكلة أن مصر هي التي ستدفع ثمن سوء التقدير هذا من استقرارها ودماء أبنائها، ووحدتها الوطنية، وهذه كارثة بكل المقاييس.

 

وأضاف: الرئيس مرسي ارتكب أخطاء اثناء فترة حكمه القصيرة (عام واحد فقط)، ولكن هذه الأخطاء، مهما كبرت، كانت صغيرة، مقارنة مع أخطاء المؤسسة العسكرية وانقلابها الذي يمكن أن يقود البلاد إلى حمام دم قد يحصد حياة المئات وربما الآلاف.

 

بالأمس نزل مئات الآلاف من أنصار التيار الإسلامي إلى الميادين في مختلف محافظات مصر، مطالبين بعودة رئيسهم، والتهديد باللجوء إلى العنف إذا لم يتحقق طلبهم هذا، وهم- أو بعضهم- يقول ويفعل، وشاهدنا ذلك بوضوح في أفغانستان والعراق وسورية وليبيا واليمن.

 

وتابع: نعم قوات الجيش تملك الأسلحة والدبابات والطائرات العمودية، ولكن ماذا بإمكانها أن تفعل في مواجهة هذه الجموع الغاضبة، هل ستقتل مئة، مئتين، ألفين، عشرة آلاف؟! ولماذا؟ لأنهم يتظاهرون لاسترجاع سلطة وصلوا إليها عبر صناديق الاقتراع وفي انتخابات حرة نزيهة؟

 

وتساءل قائلاً: هذا الغرب المنافق الذي ظل على مدى مئة عام يحاضر علينا حول الديمقراطية وقيمها، ويتغنى بالديمقراطية الصهيونية، لماذا يقف صامتًا أمام هذا الانقلاب على الديمقراطية وحكم صناديق الاقتراع؟ هل لأن الفائز في هذه الديمقراطية هو من أنصار التيار الإسلامي، وهل هم مع الديمقراطية في بلادنا التي تأتي بأحزاب وفق مقاساتهم، وتطبق سياساتهم ومشاريعهم في الهيمنة في المنطقة؟

 

أمريكا سقطت.. الاتحاد الأوروبي سقط.. وكل المقولات الليبرالية التي تدعي التمسك بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة سقطت أيضًا، وبات واضحًا أن الليبرالي في مفهوم الغرب هو الذي يتخلى عن عقيدته وقيمه ومبادئه، ويتبنى المبادئ الغربية التي تضعها واشنطن ومحافظوها الجدد.

 

فوجئت بالدكتور محمد البرادعي أحد منتوجات هذه الليبرالية الغربية ودعاتها يكشف في حديث لصحيفة “نيويورك تايمز” أنه اتصل بجون كيري وزير الخارجية الأمريكي، وكاثرين أشتون مفوضة الشئون الخارجية في الاتحاد الأوروبي من أجل تأييد الانقلاب العسكري؛ الذي كان أحد أبرز المتآمرين للإعداد له، وفوجئت أكثر أن هذا الليبرالي يؤيد إغلاق 6 قنوات تلفزيونية متعاطفة مع التيار الإسلامي.

 

أنصار “الديمقراطية” وحكم صناديق الاقتراع، ولا نقول أنصار التيار الإسلامي، يتدفقون بالآلاف إلى ميادين المدن والقرى والنجوع لكي يطالبوا بعودة الرئيس المنتخب، ويعبروا عن استعدادهم للشهادة من أجل هذا الهدف.

 

كنا نتوقع أن يتدخل الجيش المصري لنصرة الشرعية الديمقراطية لا من أجل سحقها، واعتقال رموزها، والانحياز لصناديق الاقتراع، لا لدعم من يريدون اسقاط هذه الشرعية من خلال التظاهر وشاشات التلفزة.

 

الانقلاب العسكري سيؤدي حتمًا إلى خدمة الجماعات المتطرفة داخل التيار الاسلامي وحركة الاخوان بالذات، وسيؤكد مقولة تنظيم ‘القاعدة’ والجماعات الاخرى التي ترفض الديمقراطية وتعتبرها ‘بدعة غربية’، وتطالب بالاحتكام الى السلاح وليس الى صناديق الاقتراع لإقامة دولة اسلامية تكون نواة لدولة الخلافة.

 

المعتدلون في التيار الاسلامي وحركة الاخوان المسلمين سيكونون هم الضحية، لان صوتهم لن يكون مسموعا في اوساط القواعد الشعبية، لان جنوحهم للاعتدال، وتبنيهم للخيار السلمي ونبذ العنف اثبت عدم جدواه بعد الانقلاب العسكري الحالي، الذي نرى ارهاصاته في تنصيب رئيس غير منتخب، وحل مجلس الشورى، واعلان الاحكام العرفية، وشنّ حملة اعتقالات دون اي مسوغات قانونية، وتحت اتهامات واهية.

 

ما هي التهمة التي سيحاكم على اساسها الرئيس محمد مرسي، وما هي الجريمة التي ارتكبها حتى يتم اعتقاله مثل اي مجرم؟ فالرجل لم يقتل بعوضة ولم يسرق جنيها واحدا، ولم يعين اقاربه في اي منصب، والغالبية العظمى من ضحايا الصدامات امام قصر الاتحادية وفي ميدان رابعة العدوية من انصاره.

 

شخصيًا قابلت الرجل لأكثر من ثلاثة ارباع الساعة، ولم أسمع منه غير لغة التسامح مع الآخر، والحرص على حقن الدماء، والتركيز على كيفية اعادة الكرامة لمصر وشعبها، واحياء صناعتها الوطنية الثقيلة، وانعاش قطاعها الزراعي، بالانحياز الى الفلاحين البسطاء ملح الارض.

 

وتساءل :من سيصدق الحكم العسكري الذي يدير شؤون مصر حاليا عندما يتحدث عن الديمقراطية والانتخابات الرئاسية والبرلمانية بعد ان اهانوا الرئيس المنتخب وحلوا مجلس الشورى المنتخب ايضا؟ ومن سيذهب الى صناديق الاقتراع بعد هذه الخطيئة الكبرى؟ وقال : نختلف مع حركة الاخوان في الكثير من طروحاتها، وكنا نتمنى لو انها انحازت الى قضية العرب المركزية، ودشنت عهدها في السلطة بطرد السفير الاسرائيلي واغلاق سفارته في القاهرة، ولكن هذا لا يمكن ان يدفعنا للوقوف ضدها، او التشكيك في شرعية رئيسها المنتخب، حيث قلنا وكررنا اكثر من مرة ان عليه ان يكمل مدة حكمه، وان على من يريد اسقاطه ان يذهب الى صناديق الاقتراع.

 

نخشى على مصر وشعبها الطيب من الحرب الاهلية، نخشى على الفقراء وهم الاغلبية الساحقة من الجوع والحرمان وعدم ايجاد لقمة العيش لاطعام اطفالهم، ولكننا على ثقة بأن هؤلاء لن يقبلوا مطلقا ليبرالية كاذبة مزورة مضللة تقود، بل تمهد الطريق، لانقلاب عسكري يؤدي الى تعميق الانقسام ودفع البلاد الى الحرب الاهلية حتى يصلوا الى الحكم على ظهور الدبابات، وليس من خلال صناديق الاقتراع.