وانا (باكستان)/اسلام اباد – يقول مسؤولون بالجيش الباكستاني ودبلوماسيون غربيون إن قائد الجيش الباكستاني يجعل من التصالح مع الفصائل المتناحرة في أفغانستان أولوية كبرى في أحدث وأوضح مؤشر حتى الآن على أن اسلام اباد تتبع نهجا عمليا لتشجيع السلام مع طالبان.
ويرى قادة يعملون في المنطقة إن الجنرال أشفق كياني يؤيد إجراء حوار ومن أسباب ذلك مخاوف من أن انتهاء المهمة القتالية الأمريكية في أفغانستان في 2014 من الممكن أن يؤدي إلى تجدد تمرد يشهده البلدان.
وقال ضابط رفيع بالجيش الباكستاني يعمل في وزيرستان الجنوبية وهي جزء من منطقة قبلية متاخمة للحدود الأفغانية “كان هناك وقت كنا نظن خلاله أن بيدنا مصير أفغانستان. الآن نريد أن يكون مصيرهم في أيديهم حتى يتسنى لنا التركيز على مشكلاتنا.”
ومضى يقول متحدثا في بلدة وانا على بعد نحو 30 كيلومترا من أفغانستان “باكستان لديها إمكانية تهيئة البيئة اللازمة التي يمكن أن تحدث فيها مصالحة كبرى بأفغانستان… علينا أن نكون على قدر التحدي. ونحن بصدد هذا.. على أعلى مستوى ممكن.”
وفي السابع من ديسمبر كانون الأول أوضح كياني نيته تأييد إنهاء الحرب في أفغانستان عبر التفاوض وذلك خلال اجتماع لكبار القادة بمقر الجيش في روالبندي.
وقال مسؤول في المخابرات الباكستانية اطلع على ما دار في الاجتماع إن كياني “قال إن المصالحة الأفغانية هي كبرى أولوياتنا.”
وربما يساعد إحراز تقدم رئيسي بمساعدة من كياني الرئيس الأمريكي باراك أوباما على أن يقول إن إدارته تمكنت من إقناع باكستان بالمساعدة على تحقيق هذا الهدف الرئيسي في السياسة الخارجية الأمريكية.
ويتساءل مسؤولون أفغان يشكون في باكستان منذ زمن طويل في تمويلها وتسليحها حركة طالبان عما إذا كان كياني يؤيد حقا الحوار أم أنه يتخذ مجرد خطوات رمزية لإبعاد الانتقادات الغربية لطريقة تعامل باكستان مع القضية الأفغانية.
وأيدت باكستان صعود طالبان للسلطة في أفغانستان في منتصف التسعينات وهي ضامن رئيسي في محاولات تبذلها الحكومة الأمريكية والحكومة الأفغانية للتفاهم مع زعماء المتشددين الذين فروا إلى باكستان بعد الإطاحة بهم عام 2001.
لكن العلاقات بين قادة طالبان والمؤسسة الأمنية في باكستان تدهورت بشكل متزايد بسبب الريبة مما أثار تساؤلات حول ما إذا كان قادة المخابرات الباكستانيون لديهم ما يكفي من التأثير لإقناعهم بالجلوس على مائدة التفاوض.
غير أن دبلوماسيين في اسلام اباد يقولون إن باكستان بدأت تظهر قدرا أكبر من الحماس للمحاولات المدعومة من الغرب للتفاهم مع زعماء طالبان. ويقول دبلوماسيون غربيون ظلوا لسنوات يتشككون ازاء وعود باكستان إن اسلام اباد جادة بشأن تشجيع الاستقرار في أفغانستان.
وذكر مسؤول من إحدى دول الاتحاد الاوروبي “إنهم يريدون حقا فيما يبدو المضي قدما في حل سياسي… رأينا تحولا حقيقيا في خطتهم على كل المستويات. كل المشاركين يريدون فيما يبدو المضي في التحرك.”
ويحكم الجيش باكستان طوال أكثر من نصف تاريخها ويقول البعض إن الجنرالات احتفظوا بحق إملاء السياسة على أفغغانستان ويعتبر وجود جماعات مقاتلة صديقة “عناصر رئيسية” للحد من تأثير الهند.
غير أن مواقف الجيش تجاه الجماعات الإسلامية التي كانت تخوض سابقا حروبا بالوكالة بدأت تتطور أيضا بسبب صعود حركة طالبان الباكستانية التي خاضت معارك ضارية في المناطق القبلية وشنت هجمات انتحارية في مدن رئيسية.
ويشير كياني فيما يبدو إلى أن تصور الجيش لدوره في باكستان والمنطقة بدأ يتغير في كلمة ألقاها أمام الضباط في روالبندي الشهر الماضي.
وقال كياني “كبلد نمر بمرحلة فاصلة… نتطلع بعين النقد إلى الأخطاء التي ارتكبت في الماضي ونحاول أن نوجه المسار إلى مستقبل أفضل.”
وأمر كياني بشن أكبر هجوم لباكستان على المتشددين عام 2009 وأرسل 40 ألف جندي إلى وزيرستان الجنوبية في محاولة لحسم المعركة في مواجهة التحدي المتزايد الذي أصبحوا يمثلونه للدولة.
ويحظر على الأجانب بصورة كبيرة دخول الحزام القبلي لكن رويترز تمكنت من الترتيب لرحلة نادرة مدتها ثلاثة أيام مع الجيش الباكستاني في الشهر الماضي.
وتحسن الوضع الأمني فيما يبدو بشكل ملحوظ في وزيرستان الجنوبية منذ الهجوم لكن الزيارة أبرزت أيضا المهمة الهائلة التي ما زال يواجهها الجيش الباكستاني للسيطرة على أجزاء أخرى من المنطقة الحدودية.
وقال حاجي تاج الذي يدير مدرسة دينية للأولاد والبنات في وانا إن المتشددين ما زالوا هاربين في الجبال المحيطة مضيفا “خارج معسكر الجيش.. طالبان هي التي تحكم.”
ويمثل كياني الذي تولى قيادة الجيش عام 2007 طرفا رئيسيا في التفاهم مع واشنطن خلال أحد الفصول الأكثر اضطرابا في العلاقات الأمريكية الباكستانية.
واكتسب كياني الذي ربما يقال إنه الشخصية الأكثر نفوذا في باكستان سمعة باعتباره قائدا حكيما حد من ميل الجيش إلى التدخل صراحة في السياسة.
وربما يرفض متشددون في المؤسسة الأمنية الباكستانية فكرة تأييد إجراء الحوار ما لم يكونوا متأكدين من أن أي تسوية في المستقبل ستحد من نفوذ الهند في كابول.
غير أن المسؤولين الذين يعملون في المناطق النائية على الحدود يخشون من احتمال أن يواجهوا قريبا معركة أكثر ضراوة ما لم يتم إقناع المقاتلين في أفغانستان بإجراء محادثات.
وقال ضابط آخر يخدم في وزيرستان الجنوبية “بعد عام 2014 عندما تنسحب الولايات المتحدة ما الذي سيفعله هؤلاء؟ هل تظن أنهم سيصبحون فجأة تجارا ومواطنين مسؤولين في المجتمع؟ … علينا أن نتأكد من وجود إطار ما بعد عام 2014 يضمن إشراك مثل هذه العناصر. ليس هناك من سبيل آخر
رويترز