حزب الله في سوريا: خطايا استراتيجية؟ :سعد محيو
الأثنين 24 رجب 1434ﻫ 3-6-2013م

 

ماذا قد يقول المؤرخون المستقبليون عن التدخل الكثيف لحزب الله اللبناني في الحرب السورية؟ شيء واحد على الأرجح..

 

هذا الحزب، الذي لطالما جهد كي يُقدِّم نفسه على أنه حزب لبناني يدافع عن المصالح الوطنية اللبنانية ولا يرفع سلاحه إلا لمقاومة إسرائيل وممانعتها، كشف بشطحة قلم واحدة عن كل أوراقه الإقليمية بصفته الراعي الأول للمصالح القومية الإيرانية في المشرق العربي.

 

هكذا الأمر بكل بساطة. فكما أن بعض المحلّلين كانوا مقتنعين بالأمس أن سلاح حزب الله لا وظيفة حقيقية له في خاتمة المطاف، سوى أن يكون خط الدفاع الأول عن إيران، بصفتها وطن ولي الفقيه الذي يأمر ويجب أن يُطاع، بات الكثير منهم مقتنعين اليوم بأن طهران هي التي حرّكت هذا السلاح نفسه لحماية خط الدفاع الثاني عن نظامها ونفوذها الإقليمي في سوريا.
 
وهذه ستكون نهاية غير سعيدة لفصل المقاومة والممانعة الذي روّج له حزب الله، الذي شكّل على مدار العقود الماضية نقطة الارتكاز الأساسية في استراتيجية الحزب في الوضع الداخلي اللبناني وتُوجّ بالشعار المجلل “الشعب والجيش والمقاومة”.

حرب إسلامية

إنها نهاية غير سعيدة لجملة أسباب دفعة واحدة:
 
الأول، أن حزب الله انخرط بقضه وقضيضه في حرب أهلية إسلامية – إسلامية ترتدي حلّة أكثر خطورة، بسبب ألوانها المذهبية والطائفية الفاقعة المتوزّعة بين السُـنّة والشّيعة والعلويين.
 
فهل أمر بسيط أن يسحب الحزب أهَـم وحداته من جنوب لبنان المخصّصة لمقاومة إسرائيل في الجنوب، لمقاتلة أشقاء له في الانتماء إلى “الأمة”، التي يعلن الحزب في أدبياته ووثائقه، الانتماء إليها في الشمال والشرق؟ وهل هو بالأمر الهيِّـن أن ينحاز هذا الحزب الأيديولوجي الإسلامي إلى نظام يصف نفسه بالقومي العربي العِـلماني وتتشكّل نواته الصّلبة من طائفة علوية، لا يعتبرها فقهاء الشيعة “إسلامية تماما”، على رغم فتاوى معاكسة صدرت من طهران وصور أيام الإمام موسى الصدر؟
 
أيّ منطق فكري أو فقهي يمكن أن يبرّر هذا الانحياز، سوى أنه تنفيذ لأوامر “غير فكرية وغير منطقية” صدرت من إيران – الدولة القومية، لا إيران الثورة الإسلامية؟
 
السبب الثاني، هو أن هذا التورّط الكثيف للحزب سيُـسفر في نهاية المطاف عن جرّ الوطن اللبناني برمته إلى الأتون السوري، حتى وإن لم تكن هذه رغبة الحزب. فهذا الأخير ليس دولة يمكنها أن تخوض معارك بالواسطة في دول أخرى من دون أن يتأثر داخله بها، بل هو مجرد جزء من نسيج مجتمعي يقابل أيّ فعل فيه ردّ فعل من باقي أجزاء هذا النسيج (إقرأ الطوائف والمذاهب)، وبالتالي، لن يطول الوقت قبل أن تتمدّد النيران السورية إلى الداخل اللبناني، سواء من “معبر الهرمل” المحاذي لبلدة القصير أو من مدينة طرطوس العلوية باتجاه مدينة طرابلس السُنيّة ومنها إلى بيروت وضاحيتها الجنوبية وصيدا، وصولاً إلى البقاع.
 
والواقع، أن انفجار الوضع الأمني في طرابلس مؤخراً واعتراف الحكومة اللبنانية بأنه “خرج عن السيطرة وبات في عُـهدة قادة المحاور العسكرية (الميليشيات) في كلٍ من باب التبانة السُنّي وجبل محسن العلوي، سيكون على الأرجح الشرارة التي قد ينطلق منها لهيب حرب داخلية لبنانية جديدة (سنّية – شيعية هذه المرة).

تفكك إمبراطورية

السبب الثالث للنهاية الغير سعيدة، هو أن الحزب يخوض معركة خاسرة إستراتيجياً سلفاً. لماذا؟ لأن ما تشهده المنطقة العربية الآن، لا يقل عن كونه بداية العد العكسي لسقوط الإمبراطورية الإيرانية الصغيرة، التي تمدّدت طيلة العقود الثلاثة الماضية في منطقة الهلال الخصيب، مشكِّلة هلالاً شيعياً افتراضياً، امتد من طهران إلى الضاحية الجنوبية من بيروت، مروراً ببغداد ودمشق وغزة.
 
فالنظام السوري، الذي شكّل الركيزة الكبرى للنفوذ الإيراني، تفكّك ولن يكون ثمّة مجال لإعادة بنائه مهْـما حقق هذا النظام وحلفاؤه من إنجازات عسكرية، إذ ما تجري في سوريا حرب أهلية متعولمة وإقليمية، سرعان ما ستتدخل فيها الأطراف الأخرى، في حال حقّق أحد الطرفين المتقاتلين خللاً في موازين القوى.
 
والنظام العراقي، الذي خضع إلى النفوذ الإيراني بعد الانسحاب العسكري الأمريكي يتفكك هو الآخر، وبسرعة. فالشمال الكردي أصبح محمية تركية حقيقية، خارجة عن أيّ نفوذ عليها من بغداد. والوسط السُـنّي يسير هو الآخر في هذا الاتجاه. والبلاد كلها تتّجه بسرعة القذيفة الصاروخية إلى حرب أهلية جديدة، تكون امتداداً للحرب السورية.
 
وغزة الإخوان المسلمين الجديدة، لم تعُـد غزة القديمة الحليفة لطهران، بعد أن أدارت ظهرها لدمشق ويمّمته نحو “إخوانها” في القاهرة.
 
أما حزب الله نفسه في لبنان، فهو يعاني الآن من تمدّد استراتيجي زائد وخطر، بعد أن بات مضطراً إلى خوض معارك أو مجابهات في سلسلة متّـصلة من الجبهات في سوريا والجنوب والداخل اللبناني والساحة الأمنية الدولية.
 
الآن، إذا ما أضفنا إلى هذه العوامل تأرجح الاقتصاد الإيراني على شفير الهاوية، بعد أن فقدت العملة الإيرانية نصف قيمتها خلال أشهر قليلة، علاوة على تضعضع قوة المحافظين الإيرانيين بعد انقسامهم بين المهدوية وولاية الفقيه وصعود تركيا الكاسح إلى قمرة القيادة الإقليمية (وقريباً الدولية) واندفاع إسرائيل القوي إلى قطع كل إمدادات الحزب العسكرية من سوريا، لَـتوصّلنا إلى الاستنتاج بأن حزب الله يخوض بالفعل معارك ميؤوس منها لإنقاذ ما تبقّّـى من النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.
 
ومضاعفات مثل هذه المعارك الخاسرة سلفاً، لن تتأخر كثيراً في الظهور، لا بل أكثر: يمكن القول أن حزب الله تحوّل في الآونة الأخيرة، بالنسبة إلى القوى الإقليمية التي تتحرّك الآن، لـوراثة “التركة الإيرانية” إلى “نتوء استراتيجي”، يجب إزالته قبل أن يعاد ترتيب أوضاع المنطقة من جديد، وهذا ما يجعل لبنان برمّـته، وليس فقط حزب الله، يتراقص الآن على حبل مشدود بين هاويتيْـن: إقليمية ومحلية في آن.

– بيروت