لا شك وأن التراكمات الكمية للظلم والقهر والاستبداد لنظام صالح وعلى مدى أكثر من ثلاثة وثلاثين عاماً، أوجد حالة من الاحتقان السياسي والتذمر الاجتماعي وهذه القضايا مجتمعة أدت إلى تراكمات كيفية.. وإلى فعل ثوري شعبي سلمي، وهذه هي أرقى أشكال النضال الجماهيري.. وصل تمادي نظامك صالح إلى ممارسة أفعال اللاإنسانية مثل التعذيب حتى الموت، والتلذذ في ممارسة العنف والإخفاء القسري لنشطاء سياسيين تعرضوا للاعتقال والتعذيب والتشويه والإخفاء بعد أن أفقدهم عقولهم، وزور هويتهم، وأودعهم سجونا انفرادية ومصحات نفسية، ودورا للعجزة كما حدث مع الحالة المكتشفة حديثاً، بعد واحد وثلاثين عاماً ..اختفاء للمعارض السياسي مطهر الإرياني وآخرون لا يزال التعرف عليهم صعباً بعد ما يقرب من أربعة عقود كل هذه القضايا اللاإنسانية واللاأخلاقية للنظام السابق الذي حول البلد من أقصاها إلى أقصاها إلى سجن جماعي نزلاء الشعب بكامله .. هذه الممارسات عجلت من تفجير الثورة بالطريقة التي تمت، وهذه قضية في منتهى الأهمية؛ لأنها عبرت عن مضمون الوعي الاجتماعي للشعب ونضج قواه السياسية والاجتماعية.. وكان الانفجار الأقوى والأوسع يوم 11 فبراير 2013م وهو اليوم الذي جعل الشعب في مواجهة حقيقية مع الجلاد، واتسع أفق الثورة وأكسبها تحصيناً اجتماعياً وسياسياً كبيراً، حيث خرجت الأحزاب والتنظيمات السياسية عن صمتها ونزلت إلى ساحات الثورة تقود نضالات الناس وتعلمهم وتتعلم منهم فنون الأخلاق من أجل التغيير، وكانت هذه هي ثورة الشعب الحقيقية.
فقد خرج شباب بعمر الزهور من القطاع الطلابي للحزب الاشتراكي في البداية تلاهم الطلاب الحزبيون وغير الحزبيين من مختلف التنظيمات والتيارات السياسية والثقافية والفكرية، كان هؤلاء هم طلاب جامعة صنعاء، الصرح التعليمي الذي ظل ثائراً ومشتعلاً طوال هذا الامتداد التاريخي.. ظل هذا الصرح يقدم التضحيات الدائمة والمستمرة، منذ سبعينيات القرن الماضي عندما قدمت طلاباً رائعين في الأحزاب اليسارية، ولايزال الكثير منهم في زنازن أو مخابئ غير معروفة، فقد كان هؤلاء وأولئك الطلاب القدامى أهم وأعظم أسماء مخرجات هذا الصرح العلمي الشامخ، وكانت المرأة والطالبة خصوصاً حاضرة في هذا المشهد الثوري، ومنذ اليوم الأول لانطلاق الثورة.
وكان هؤلاء الفتية على مستوى عال من الفهم والوعي والإدراك والنضج، والمواقف الثورية والمبدئية العظيمة، ولم يكن خروج هؤلاء الشباب إلى الشارع عفوياً أو ارتجالياً، وإنما كانوا أكثر وعياً وإدراكاً لمهمتهم ولعظمة ثورتهم، وكان الجميع يتسابقون على الشهادة.. إنهم يصنعون مجداً عظيماً في مشهد سلمي.. ثورة بيضاء قاعدتها الشعب بكل مكوناته وعلى طول امتداداته وكانت الشعارات التي ترفع تعبر عن ثقافة وفلسفة هذه الثورة الإنسانية.. ثورة البقاء والحب والتسامح خرج هؤلاء الشباب والشابات بوعيهم الثوري العميق، وإرادة التغيير في إصرار عجيب على استمرار الثورة واسقاط النظام المتخلف الذي عانوا منه كما عانى منه آباؤهم.
النظام الذي تاجر بأحلامهم وسرق حياتهم وثوراتهم، ومنجزاتهم وتاريخهم الناصع ووحدتهم، وكل ما هو جميل ورائع وحيوي.. سرق حتى النوم من عيونهم والبهجة والسعادة وكل شيء له قيمة.
انضم إليهم الشعب بكل فئاته ومكوناته السياسية والاجتماعية ومؤسساته الثقافية والفكرية والعسكرية وأصبح الشعب من أقصاه إلى أقصاه شريكاً فاعلاً فيها يقود سفينة التغيير نحو الأفضل والأحسن والأجمل.
ولم يكن هذا الخروج عفوياً أو عارضاً أو مرتجلاً، وإنما كان وعياً ومدروساً وهذا دفع بالأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني وأساتذة الجامعة والشرائح الوطنية المثقفة للانضمام إليها..
هذه الثورة هي ثورة كل اليمنيين والمظلومين ثورة العمال والفلاحين والمثقفين الحزبيين والمستقلين.. ثورة المدنيين والقبليين السياسيين وغيرهم.
كان الوطن بكل امتداداته ساحة ثورية واحدة.. وكان الثوار من مختلف الأعمار عبارة عن لوحة فنية إبداعية غنية بتداخلاتها وانكساراتها وألوانها وسائر خطوطها.. عبرت بصدق وموضوعية عما يعتمل في الواقع من التغييرات، وعن طبيعة التنوع الاجتماعي والثقافي والفكري والطبقي.. ولا يزال صور العديد من الشباب تتصدر القنوات الفضائية، ببطولاتهم وإصرارهم على التغيير السلمي.
تميز شباب الثورة بوعيهم الاجتماعي والطبقي، بقدرتهم على التنظيم والاستفادة من معطيات الواقع وجدلية الثورة السلمية.. وأصبحوا يتميزون بمستوى ثقافتهم العالية، وقدرتهم على المقاومة والاستمرار والبقاء.. والتعايش مع الآخر وكان الخروج الباكر لهؤلاء مستوعباً للنوع الاجتماعي وهكذا أصبح لهم تأثير واسع كمشروع ثقافي وفكري ونظري، وكقيادات للمستقبل؛ ولهذا استحقوا بجدارة أن يكونوا جوهر هذا الفعل العظيم وروح المستقبل الحافل بالعطاء.