ثورة فبراير صانعة التحول الديمقراطي بقلم/ د. محمد عبد الله نعمان
الأثنين 1 ربيع الثاني 1434ﻫ 11-2-2013م

 

بعد مرور عامين على اندلاع ثورة الشباب الشعبية السلمية، هذه الثورة المباركة التي أعادت لشعبنا اليمني في الشمال و الجنوب اعتباره، و حطمت أسوار الخوف و الذل و الخنوع (بسلاح الإرادة و السلمية والصمود)، و الذي استحقت بسببه هذه الثورة وبجدارة جائزة نوبل للسلام، وكان من النتائج المباشرة لهذه الثورة السلمية تهاوي الأصنام، و في مقدمتها الصنم القميئ رأس النظام الفاسد، علي عبد الله صالح، و لا تزال الثورة الشبابية في عز عنفوانها و إن بدا للبعض أنها قد خفتت أو سرقت كما يزعمون، فذلك وهم الواهمين، و أنها لثورة تتخلق كل يوم و كل يوم سيسقط صنم بفضل وعي الشباب اليمني الرائع و قواه الحية التي لن ترضى عن التغيير الجوهري و الحقيقي بديلاً.

فلقد عانى كل أبناء شعبنا وقي مقدمتهم القوى الوطنية الحية و السياسية الشريفة من القمع و الكبت و الطغيان، و أفسد النظام الفاسد الحياة السياسية برمتها بالمال و بالقمع و الإرهاب، الذي مارسه رأس النظام و أجهزته الأمنية، و لذلك لم يكن أمام كل الشرفاء التواقين للحرية و الحياة الكريمة في وطن عزيز يستوعب كل أبنائه، لم يكن أمامهم سوى المشاركة و الالتحاق بثورة التغيير من أجل بناء دولة المؤسسات، الدولة المدنية الحديثة، من خلال صنع التحول الديمقراطي المفضي لبنا دولة المواطنة المتساوية و الشراكة الحقيقية في السلطة و الثروة. فما هو التحول الديمقراطي؟ و كيف له أن ينجح؟ و كيف تحدد أولوياته؟

مفهوم التحول الديمقراطي:

قبل الحديث حول مفهوم التحول الديمقراطي و الذي يعنى بدلالاته اللفظية المرحلة الانتقالية ما بين نظام سياسي غير ديمقراطي، و نظام ديمقراطي، لا بد من التأكيد على أن حكم الاستبداد لن يعود تحت أي شكل من الأشكال أو تحت أي شعار من الشعارات البراقة، الوطنية أو الدينية، و لن تنطلي على أبناء شعبنا اليمني العظيم بعد اليوم الوعود البراقة و الكاذبة، و إن كانت بعض القوى و المراكز ستحاول بهذا القدر أوذاك الاستئثار بالثروة و السلطة، لكن أية قوة ستحاول ذلك فسوف يكون ذلك مقتلها و نهايتها المحتومة، و العلة في ذلك أن شعبنا كبقية شعوب الربيع العربي و بقية شعوب العالم قاطبة لم يعد يقبل بعد ثورته المباركة و التي أذهلت العالم، لم يعد يقبل بجكم الاستبداد و لو في أدنى درجاته، مكا أن طبيعة المرحلة لم تعد تقبل بذلك.

و إذا كانت مرحلة التحول الديمقراطي هي مرحلة تمر بين نقيضين، وهي مرحلة مركبة تجمع خصائص المرحلتين، و في المراحل البدائية لهذا التحول تكون الغلبة لخصائص مرحلة ما قبل التحول، هذا إذا كان ذلك التحول يحدث بشكل متدرج و ليس من خلال تحول جذري يقلب الأموررأساً على عقب، و يحول النظام السياسي من نظام غير ديمقراطي إلى نظام ديمقراطي .

و لذلك و من أجل إحداث التحول الديمقراطي، لابد في البداية من تحطيم النظام السلطوي القديم. و قد يقف التحول الديمقراطي عند حدود معينة من تحقيق الانفراج السياسي، و لا ينتج نظاما ديمقراطيا مثالياً، و هذا الأمر يعنى أن لأمور في هذه المرحلة نسبية بمعنى أنه ليس بالضرورة أن تشكل كل مرحلة انتقالية للتحول الديمقراطي الوصول إلى درجة الديمقراطية، لأن التحول الديمقراطي الذي يتحقق في مرحلة من المراحل من الممكن أن يشكل انتكاسة لاحقة، و هذا الأمر يعتمد على نمط التحول الديمقراطي و على العوامل و المداخل التي سلكت في سبيل هذا التحول .

و في هذا السياق يمكن الاستشهاد بما جاء في صحيفة الجارديان البريطانية واسعة الانتشار تحت عنوان: “التحول الديمقراطي في مصر فوضوي لكنه يحمل الآمال للعرب”، حيث قالت: ” إن انتقال مصر من الديكتاتورية إلى الديمقراطية فوضوي، لكنه يقدم الآمال للدول العربية الأخرى، مشيرة إلى أن المجلس العسكري، الذى تولى المسئولية في البلاد بعد الثورة المصرية مباشرة، أدرك أنه لا يستطيع تحمل تلك المسئولية إلى أجل غير مسمى“.

ثم أردفت بالقول: “إذا كانت هناك أي دولة عربية تعرض سلسلة كاملة من العناصر و المحاور التي تؤسس المزيج العشوائي في نظم الحكم العربية المعاصرة، لكانت هذه الدولة هي بالتأكيد مصر”، و رأت الصحيفة: “أن أهم المساهمات التي قدمتها مصر للربيع العربي تتمثل في تقديم جرعة من الواقع، و الترويج لفهم ناضج سياسيا بأن الأمور ستستغرق وقتا، و بعيداً عن المعنويات، فإن الأحداث في مصر تعيد تركيز الناس على أهمية التفكير في مرحلة ما بعد الإطاحة بالرؤساء”، و خلصت الصحيفة إلى القول: “بأن ما يجرى في مصر يقدم درسا مهما مفاده أنه ليس الأفراد فقط من يجب الإطاحة بهم، بل يجب أن يتم التخلص أيضا من الحرس القديم .”

جدولة التحول نحو الديمقراطية:

السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو هل خرج الناس في ثورات الربيع العربي ترفاً سياسياً أم رغبة في التجمع في الشوارع و الساحات، أم أخرجتهم المعاناة و القمع و غياب العدالة و انتهاك الحريات و الفساد و البطالة و الفقر و الشعور بالغربة داخل الوطن و التمييز و عدم المساواة و غياب القانون ؟؟.

وللإجابة على هذا السؤال و باختصار شديد فإن الذي أخرج الجميع هو الضرورة القصوى، وقد وحدهم شعار إسقاط النظام، و بناء الدولة المدنية الحديثة، دولة الحكم الرشيد.

فلقد أراد الجميع الخروج من حالة من العبثية، و القنوط و اليأس و من أجل تحقيق المطالب الديمقراطية المشروعة، و التي من أهمها:

الحرية و العدالة و المساواة.

المواطنة المتساوية و تكافؤ الفرص.

حرية الرأي و التعبير، و حرية الصحافة.

القضاء على القتل خارج القانون.

القضاء على الخطف و الإخفاء القسري.

القضاء على التعذيب الممنهج.

عودة المشردين و المهجرين و المنفيين إلى بيوتهم.

وقف الحروب العبثية و الفتن الداخلية.

عودة المفصولين عن العمل، إلى مواقع عملهم.

عودة الأموال المنهوبة إلى الشعب و توظيفها في التنمية.

إعادة الأموال المصادرة خلافاً للقانون إلى أصحابها.

تعويض كل من تضرر خلال الفترة الديكتاتورية السابقة.

التوعية بضرورة التحول الديمقراطي:

خلال عملية التحول الديمقراطي لابد أن تصل فكرة هذا التحول إلى جميع من يعنيهم الأمر على المستويات الدولية و الإقليمية و المحلية و إلى أنصار التحول و خصومه و المترددين أو الفئة الصامتة و هي على النحو الآتي:

أولاً: المجتمع الدولي:

على المجتمع الدولي أن يدعم هذه المطالب الإنسانية و منها تشكيل حكومة تمثل الإرادة الشعبية، و على المجتمع الدولي أن يعرف بأننا مصرون على الاستمرار حتى النهاية و بأننا سنكمل هذا الشوط حتى تتحول اليمن إلى نظام ديمقراطي حقيقي.

ثانياً: المجتمع الإقليمي:

على المجتمع الإقليمي أن يدعم هذه المطالب الإنسانية و منها تشكيل حكومة تمثل الإرادة الشعبية، و عليه أن يعرف بأننا مصرون على الاستمرار حتى النهاية و بأننا سنكمل هذا الشوط حتى تتحول اليمن إلى نظام ديمقراطي حقيقي.

ثالثاً: بقايا النظام و خصوم التحول الديمقراطي:

على الثورة و الثوار أن يوجهوا رسالة واضحة لهؤلاء بأن معركتهم خاسرة بعد أن قرر الشعب تخطي حواجز الخوف و تحطيم أسوار القهر و استعادة سلطته المصادرة منه بالترهيب و التزوير، و بأن الشعب ماض في تشكيل حكومة تمثل إرادته الشعبية، و على بقايا النظام الآفل أن يعرفوا بأن الشعب مصر على الاستمرار حتى النهاية و بأنه سيكمل هذا الشوط حتى تتحول اليمن إلى نظام ديمقراطي حقيقي.

رابعاً: المترددون أو الفئة الصامتة:

يجب أن تصلهم رسالة واضحة بأن التحول الديمقراطي هو من أجلهم، و عليهم دعم إخوانهم الذين قرروا تخطي حواجز الخوف و تحطيم أسوار القهر و التضحية بأنفسهم من أجل هذه الفئة و من أجل استعادة سلطة الشعب المصادرة منا جميعاً بالترهيب و التزوير، و بأن الشعب ماض في تشكيل حكومة تمثل إرادته الشعبية، و أن النظام الآفل لن يعود و عليهم أن يساندوا إخوانهم أن يعرفوا بأن الشعب مصر على الاستمرار حتى النهاية و سيكمل هذا الشوط حتى تتحول اليمن إلى نظام ديمقراطي حقيقي، يضمن المساواة الحقيقية، و أن المستقبل الأفضل هو للجميع.

خامساً: إلى الشعب اليمني و أنصار التحول:

الرسالة الموجهة إلى الشعب اليمني و أنصار التحول الديمقراطي هي رسالة طويلة نسبياً، لأنها موجهة إلى من يعنيهم أمر هذا التحول، بل هم صانعوه

مستقبلكم اليوم أنتم تصنعونه و هو بين أيديكم فحافظوا على سلميّتكم، حققوا التحول الديمقراطي دون حقد أو انتقام، و لا تسقطوا حق أحد، و كونوا أوفياء لدماء الشهداء و آلام الجرحى، كونوا أوفياء لأبناء الشهداء، والثكالى و الأرامل من ذوي الشهداء، الذين عبدوا الطريق نحو التحول الديمقراطي ثبتوا دعائم دولة القانون والديمقراطية حتى لا يكون هناك أدنى ارتداد أو نكوص نحو الماضي الديكتاتوري الأليم.

إن ما تعانيه اليمن من فوضى و تخبط ناتج عن التحول من الديكتاتورية إلى الديمقراطية و ناتج عن القمع السياسي الذي عانى منه شعبنا طويلاً و لهذا فإن التحول الديمقراطي سيستغرق وقتا طويلا، و أنه لا بد من الزحف نحو المؤسسات الفاسدة و الثورة على الفاسدين داخل كل مؤسسات الدولة و تطهير الوظيفة العامة من العابثين و اللصوص و أن هذه هي الثورة الثانية، فالتحقوا بها و ناصروها و عززوها.

أن المعرفة و العزم هو الضمان الوحيد لعدم إحباط الشعب اليمني و إجهاض ثورته، فبثوا الوعي و الثقافة من أجل تعميق قيم الثورة و التغيير، و أن المرحلة التي تعيشها اليمن حالياً هي مرحلة تأسيس (عقد اجتماعي جديد), يعمل على إعادة تحديد العلاقة بين الشعب و الحكومة، و يبرز معنى المواطنة الحقيقية في البلاد, وتأسيس عقد اجتماعي جديد، و أن الشعب اليمني يرفض أية حكومة عسكرية, أو دينية و المطالبة بدولة مدنية, و أن من الضرورة على الجميع الإسهام بفاعلية في صياغة هذا العقد المدني بتضمينه مفاهيم الحرية والتسامح و العدل و الإخاء و المواطنة المتساوية.

و إذا كانت المرحلة التي تمر بها اليمن اليوم هي مرحلة عصيبة تتميز بالفوضوية، فلا مجال مع ذلك لليأس، و لا مدعاة للإحباط فالتقلب و الاضرابات المستمرة أمر ضروري, في المراحل الانتقالية حيث إن الأمور تزداد سوءا قبل أن تتحسن في الحياة السياسية.

إننا نشهد اليوم علامات حيوية للثورة, و قد أخذنا الجرعة الأولى من الهواء السياسي حيث بدأنا الآن تعلم فن التفاوض على مرحلة ما بعد الديكتاتور، و من التحديات التي تواجه الرأي العام انتقال الصحف الرسمية الى أفق ديمقراطي مستقل و تعزيز قدرة الصحافة على التحول إلى مؤسسات تخدم الصالح العام، بالإضافة الى إمكانية قيام العاملين بالصحف الرسمية بتطوير ممارساتهم المهنية و تحسين أوضاعهم المادية و الأدبية ، فلنكن داعمين فاعلين لحرية الصحافة و انتقالها لصفوف الجماهير، و للتعبير عن همومها و مطالبها.

معوقات التحول الديمقراطي في اليمن:

كثيرة هي المعوقات التي اعترضت عملية التحول الديمقراطي في اليمن و تؤثر سلبا ً على العملية برمتها بدءً من إقرار التحول الديمقراطي وصولا ً الى الوقت الحاضر، و بالشكل الذي جعل إمكانات ترسيخ أسس الديمقراطية يحتاج إلى مزيد من الوقت. و إذا سلمنا أن التأثير الخارجي في إجراء عملية التحول كان كبيرا ً لكن التأثير الخارجي اصطدم بعدم تهيؤ اليمن لمثل هذه النقلة باتجاهالديمقراطية، و حملَ الداخل بين ثناياه الكثير من المعوقات التي تحول دون اجراء عملية التحول الديمقراطي بيسر و سهولة.

فانتقال اليمن من نظام حكم شمولي يرتكز على نظام الحزب المهيمن، في ظل تعددية شكلية و ديكوريه وانتخابات صورية مزورة إلى نظام تعددي حقيقي يتجه نحو السعي الى التحول الديمقراطي، ليست عملية سهلة او يسيرة وانما هي عملية تواجهها الكثير من العقبات و المعوقات التي تؤثر بشكل جدي في مجمل عملية التحول الديمقراطي، و تجعلها في كثير من الاحيان أمام امتحانات عسيرة.

هذا الأمر يجعل الكثيرين يشككون بإمكانية نجاح عملية التحول الديمقراطي لاسيما و أن تعارضالمصالح بدا واضحا ً فيها بين فريقين:

الفريق الأول: مؤيد لإجراء الاصلاحات السياسية والاقتصادية كنقطة انطلاق في التحول الديمقراطي و انتقال السلطة.

الفريق الثاني: معارض للاستمرار بتلك الاصلاحات جملة و تفصيلا ً و يرمي الى الابقاء على الهياكل السياسية و الاقتصادية التي سارت عليها اليمن و يعدها منجزات و المساس بها هو مؤامرة، و انقلاب على الشرعية و الديمقراطية.

الفريق الثالث: يرى بأنه لابد من حدوث تغيير جذري يقلب الأوضاع رأساً على عقب، لكي يتم التخلص من كل أعباء و ممارسات الحقبة الشمولية و الاستبدادية، على طريق بناء الدولة اليمنية المدنية الحديثة دولة القانون و المواطنة و المساواة و تكافؤ الفرص، القائمة على العدل و الحرية و احترام حقوق الإنسان. و لعل من أبرز تلك المعوقات ما يأتي :

أولا ً: ضعف استجابة النظام السياسي للمطالب المجتمعية اقتصاديا ً و سياسياً .

و يعود هذا الأمر لعدة أسباب منها:

-1 الازمة الاقتصادية:

و من أبرز مظاهرها:

أ. تراجع الناتج القومي.

ب. العجز في ميزان الحساب الجاري.

ج. انخفاض قيمة الصادرات.

د. خدمة المديونية الخارجية و ارتفاعها.

ه. ارتفاع معدل الزيادة السكانية.

و. استشراء الفساد في كل القطاعات الحكومية.

-2 ازمة المشاركة السياسية :

تشهد اليمن ازمة مشاركة سياسية منذ فترة طويلة، و تصبح المشاركة السياسية أزمة من أزمات التنمية السياسية” عندما تأخذ جماعات جديدة بالمطالبة بإشراكها في الحكم على نحو أو آخر. و في الوقت نفسه تنطوي على أزمة شرعية و تشكل تهديدا ً لمركز الجماعة الحاكمة و على الاخص إذا بدت هذه الاخيرة لا تستجيب إلى مطالب القوى الصاعدة و لاريب أن كل ما يؤدي الى تغيير المجتمع ماديا ً كالتصنيع و التكنولوجيا أو اعادة النظر في النظم الزراعية و غير ذلك يؤدي الىتصاعد جماعات اجتماعية تطالب بإشراكها في الحكم. واستنادا ً الى ما تقدم فان المشاركة السياسية تصبح أزمة في حالات هي :

-1 ظهور جماعات تطالب بإشراكها في الحكم .

-2 عدم استجابة الجماعة الحاكمة الى مطالب القوى الاجتماعية الصاعدة .

ثانياً: الصراع بين أركان النظام السياسي:

سار جناح من النظام السياسي اليمني باتجاه تدعيم الاصلاحات السياسية تحت ضغط و إلحاح القوى السياسية المعارضة غير أن الشروع بتلك الاصلاحات لم يكن جدياً و لم يتم تكريسها إلى خطوات عملية وجادة و مع ذلك فلم يحل ذلك دون ظهور انقسامات حادة بين أركان النظام السياسي.

ثالثا ً: المؤسسة العسكرية:

ادت المؤسسة العسكرية دورا ً سلبيا ً في عملية التحول الديمقراطي في اليمن، من خلال الدور الذي أدته في التأثير على المسار الانتخابي في بواكير الشروع بعملية التحول منذ 1990م، وكان الجيش دائماً يشكل بؤرة النظام السياسي.

رابعاً: المؤسسات التقليدية:

لعبت الأطر التقليدية القبلية والدينية المتعصبة أدواراً سلبية في شد المجتمع اليمني إلى الوراء، في محاولة للحفاظ على مصالحها، و ذلك من خلال فرض رؤاها المناهضة للتحول الديمقراطي، و يبدو من خارطة التحول الحالي أن شرائح كبيرة من هذه القوى التقليدية قد وصلت إلى قناعة بأن التحول الديمقراطي هو في صالح الجميع.

متطلبات التحول الديمقراطي:

لا يمكن إحداث التحول الديمقراطي بدون توفر متطلبات أساسية يمكن من خلالها الشروع بعملية التحول الديمقراطي، و تمهيد الأرضية لمأسسة العملية الديمقراطية برمتها. و إذا كان من المسلم به أن عملية التحول ينبغي أن تأخذ بنظر الاعتبار خصوصية المجتمع، إلاّ أن عملية التحول ينبغي أن تقوم على بعض المتطلبات في المجتمع و من ذلك ما يأتي :

-1 توسيع قاعدة المشاركة السياسية :

بحيث تمثل في العملية السياسية شرائح المجتمع كافة بمختلف توجهاتها السياسية و انتماءاتها. فضلا ً عن أن تكون ضامنة و قادرة على استيعاب الشرائح الاجتماعية الجديدة و مطالبها المتصاعدة. و هنا تأتي مسؤولية المؤسسات السياسية التي ينبغي أن تكون لها القابلية على التكيف مع التغيرات الحاصلة في المجتمع، و في الوقت نفسه قادرة على استيعاب تلك المطالب، و بهذا الاجراء يمكن ضمان عدم التهميش أو الاستبعاد أو الاقصاء من العملية الديمقراطية .

 -2 إعادة صياغة علاقة الفرد بالسلطة :

وهذا الأمر يتعلق بسلوك الفرد والجماعة، و الذي بمجمله يمثل سلوك الفرد و تشكله في نظرته إلى السلطة، و بالتالي يشكل الموقف من عملية التحول الديمقراطي . وباختصار ترقية الجانب المتعلق بإيمان الفرد والجماعة بضرورة التحول الديمقراطي .

-3 ترسيخ المؤسسات السياسية :

التي تكفل ايمان الفرد والجماعة بضرورة التحول الديمقراطي (عبر الجانب المؤسسي و التنظيمي مصاغا ً ومبلورا ً في دساتير و قوانين… على أن يكون ذلك دائرا ً في إطار ثقافي يقبل بالديمقراطية و التعدد سبيلاً إلى النهضة و التقدم عموماً و تجسده المشاركة السياسية.

 -4 إقرار التعددية السياسية :

التي من أهم اهدافها أن تكفل تداول السلطة و حريات التعبير عن الرأي و المصالح و الانتخاب… الخ، وعلى هذه الأساس يؤكد (غسان سلامة)، على أن: “هدف التعددية السياسية و سبب وجودها هو إنشاء الطريقة المؤسسية التي تسمح لأحد أطراف التعددية بالوصول للسلطة مكان الطرف المسيطر و من يتجاهل هذه القاعدة البديهية يختبأ وراء إصبعه“. 
-5 
تطوير مؤسسات المجتمع المدني :

ظلت مؤسسات المجتمع المدني لحقبة طويلة من الزمن حبيسة إرادة الدولة و سلطانها. فالدولة سلبت من المجتمع وظائفه الحيوية و احتكرتها لنفسها، و جردت الشعب من حقوقه الإنسانية و منها حق المشاركة في الحياة السياسية و حق التعبير عن آرائه المستقلة، و لذلك لابد للدولة التي تريد التحول الى الديمقراطية من أن توجد للمجتمع المدني المناخ السليم لنمو مؤسساته و ازديادفاعليته، لأن الديمقراطية تقتضي السماح بتعدد و تنوع و اختلاف الآراء بل إن اختلاف الآراء يعد سمة من أبرز سمات الديمقراطية.

مستقبل التحول الديمقراطي في اليمن:

التحول الديمقراطي قبل الثورة لم يأتِ استجابةً لحاجة مجتمعية، حتى و إن سلمنا بأن الأسبابالداخلية أثرت في عملية التحول الديمقراطي، و لكن يبقى من الصحيح القول بأنَّ مجمل العملية مثلت استجابة من النظام السيـاسي لمطالب خارجية تتمثل إما بحاجة النخب السياسية للبقاء في الحكـــم أو لحاجة النظام إلى المساعـــدات الاقتصاديـــة لاسيما و أن تلك المساعدات صارت مشروطة بإجراء إصلاحـــات سياسية واقتصادية.

و كان النظام السياسي يضمن من خلال تلك الاستجابة الحد من الازمة التي يعانيها اصلاً بركنيها الأساسيين السياسي و الاقتصادي، فضلا ً عن الانسجام مع نظام سياسي دولي من أجل الابقاء على الوضع القائم.

وكان يرى أنه ربما تؤدي عملية التحول الى ترسيخ أسس نظام سياسي ديمقراطي، و لكن تلكالمسألة مرتبطة أولا ً و أخيرا ً بجدية النظام السياسي في ذلك.

فاذا استطاع النظام السياسي أن يرضي أو يطمئن بيئته الخارجية، إلاّ أن ذلك لا يعني نجاح عملية التحول الديمقراطي، لأن ركنها الثاني و المتمثل بالبيئة الداخلية للنظام السياسي أي المجتمع اليمني نفسه ما تزال تعتريه الكثير من المشكلات التي تعترض ترسيخ أسس التحول الديمقراطي، خاصة إذا ما سلمنا بأن إجراء الانتخابات ما هو الاّ مرحلة من مراحل التحول الديمقراطي.

وعليه وحتى تستقيم عملية التحول الديمقراطي في اليمن، على القائمين عليها أن يؤكدوا على المصالحة بين الدولة و نظامها السياسي و المجتمع، أي أن تكون انعكاساً لمطالب اجتماعية و ليس استجابةً لمطالب خارجية و حسب. و هذا يتطلب تسوية الكثير من المشكلات و التي من اهمها :

1. الحد من قضية الإبعاد و الإقصاء لأي من القوى السياسية الفاعلة في الساحة السياسية اليمنية، حتى بالنسبة إلى تلك التي كان النظام يرى أنها غير شرعية.

2. تحييد المؤسسة العسكرية و المال العام و الإعلام و عدم تدخلهم في السياسية، حتى يتسنى للنظام السياسي الاستمرار في نهجه الذي يرمي الى إحلال السلم في اليمن دون أي تأثير منها .

3. حل المشكلات الناجمة عن الديكتاتورية و الاقصاء و التهميش التي شهدتها اليمن عقب الشروع بعملية التحول الديمقراطي و حل قضايا المفقودين .

4. حل المشكلات السياسية والاقتصادية المتمثلة بالمشاركة السياسية والأزمة الاقتصادية باعتبارهما السببين الرئيسين اللذين قادا إلى عملية التحول .

5. يجب توفير الكثير من الركائز الأساسية لإنجاح عملية التحول الديمقراطي التي مازالت تتعثر و قد وردت في ثنايا هذ الإطلالة المقتضبة التي تحتاج لتوسيع و تطوير.

6. و فضلا ً عن ذلك فان الكثير من المشكلات التي تتطلب حلولا ً جدية من النظام السياسي مازالت غير متحققة .

لذلك كله فإن مستقبل التحول الديمقراطي في اليمن يعتمد على حل تلك المشكلات حتى تتأسس قاعدة راسخة تبنى عليها عملية التحول الديمقراطي، و تجعل من العملية الديمقراطية سبيلا ً لحل مشكـلات العــلاقة بين الدولة و المجتمع من خلال الاستجابة للمطالب المجتمعية