الطريق حق عام يستفيد جميع الناس, ولا يجوز أن يسمح لأي كان أن يمنع السير فيه أو الاستفادة منه, بل إن الإسلام جعل للطريق حقاً على من أراد أن يجلس على جانبه, ومن ذلك رد السلام, وغضّ البصر, وكف الأذى, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر…
وحتى يأمن الناس على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم شدّد الإسلام العقوبة على من يقطع الطريق, باعتبار ذلك الفعل جريمة منكرة, وعلى السلطة أن لا تتهاون مع مرتكبيها, وجعل تلك العقوبة التقتيل – وليس القتل فقط – أو الصلب, أو تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف, أو النفي والتشريد في الأرض بعيداً عن الأهل والوطن, وللفقهاء تفصيل في هذه الأحكام, والغرض من تغليظ العقوبة منع هذه الجريمة التي تؤدي إلى جرائم مركّبة تسبب في إيقاف حياة الناس الاقتصادية والاجتماعية, وتعطيل الحياة العامة, وتجعل الطرق غابة موحشة تحكمها السباع البشرية!!
انتشرت هذه الفترة حوادث قطع الطرق بصورة غير مسبوقة حتى أضحت ظاهرة عامة, وبحجج هي أوهى من بيت العنكبوت, فكل من يدّعي حقاً أو مطلباً عند الدولة أو عند آخرين لجأ إلى الطريق العام فيقطعها مستخدما القوة والسلاح, وقد يقتل أو ينهب, أو يوقف حركة السير لساعات أو أيام, دون مراعاة لحالات المسافرين, والتسبب في إلحاق الضرر الكبير بهم رجالاً ونساءً وأطفالاً وأصحاب مصالح, بل تطورت ثقافة قطع الطريق فرأينا أطفالاً يضعون أحجاراً أو إطارات السيارات في الشوارع الرئيسة بالمدن بحجة عدم وجود الغاز, أو انقطاع المياه أو الكهرباء عن أحيائهم!!
قد لا تكون هذه الحوادث تلقائية, وإنما أفعال مرتبة وموجهة غرضها إحداث الاضطرابات والفوضى وإقلاق السكينة العامة في المجتمع, لكنها تدل على سوء التربية وضعف الإيمان, والأمن من العقوبة الرادعة.
هناك جهود يبذلها الوجهاء والمسؤولون لمعالجة نتائج قطع الطرق, وإرضاء مرتكبي هذه الجريمة البشعة وتلبية مطالبهم, والتدخل أحيانا بين هؤلاء وغيرهم بإعادة المنهوبات من قبل كل طرف, وتلك جهود يشكر القائمون عليها للعناء الذي يصيبهم في سبيل التقريب بين هذا وذاك, غير أن ثقافة قطع الطريق تتعمق, وتصبح دليلاً على البطولة والرجولة, والقدرة على انتزاع الحقوق ونيل المطالب بالقوة !!
إن الواجب أن تتضافر الجهود للتشنيع على من يقوم بقطع الطرق واعتبار ذلك جُرم قبيح يجب أن يتبرأ منه الكبير والصغير, ومن يرتكب هذا الجرم يجب أن لا يتعاون معه أحد ولا ينصره أو يتعاطف معه حتى أقرب الناس إليه, ليشعر أنه شاذ ومنبوذ في المجتمع, ولكن حتى يحدث ذلك يجب أن تضرب الدولة هؤلاء المفسدين في الأرض بيد من حديد, وتعتبر من يقطع الطريق مجرماً توقع عليه حد الحرابة مهما كانت مطالبه أو دوافعه, وعلى الوجهاء والمسؤولين حيثما كانوا أن يمتنعوا عن الشفاعة لقطاع الطرق ولو كانوا من أقاربهم أو قبائلهم أو أصدقائهم!!
لاشك أن الحزم مع قطاع الطرق لا يعفي سلطات الدولة من ضرورة إقامة العدل, وإنصاف المظلوم, وإيصال الحقوق إلى أصحابها لتنهي كل الحجج الواهية وتسد الذرائع التي ينفذ منها قطاع الطريق لتبرير جرائمهم..
إننا نتطلع أن تنتهي ثقافة قطع الطريق لتصبح في وعي كل مواطن عملاً إجرامياً مخالفاً لتعاليم ديننا, ومنافياً لأخلاقنا وعاداتنا الحميدة, تأباه النفوس ويحتقره المجتمع وتعاقب عليه الدولة.
Zaid.Ashami@yahoo.com