بعد اقتحام جماعة الحوثي (أنصار الله) لصنعاء أعلنوا أن مهمتهم الأولى ستتمثل بمحاربة الفساد، وتطهير مؤسسات الدولة من المفسدين، واستبشر الناس خيراً، ولكن اتضح أن كل ذلك كان مجرد كلمة حق يراد بها باطل.
فقد بدأوا يطاردون خصومهم وخصوم حليفهم صالح (وعلى رأسهم على محسن وحميد الأحمر) وينهبون كل ممتلكاتهم ليحملوا منها إلى منازلهم ما يمكنهم حمله، ثم يقومون بتسليم المنازل المنهوبة لرجالهم ليتخذوها سكناً لهم.
يتهمون خصومهم السياسيين بالفساد المالي لكنهم يريدون الهيمنة على كل المصالح الإيرادية الخاصة والعامة، ويقومون بالاستحواذ على كل عائداتها لخزائن بيت مالهم (مصنع إسمنت عمران ومطاعم كنتاكي مثالاً).
وليتهم اقتصروا على الفساد المالي الذي يصمون به غيرهم ويقولون أن مهمتهم تتمثل بتطهيره، لكنهم ذهبوا لنهب معسكرات الجيش والأمن ونصبوا لجانهم الشعبية بديلاً عنها لتؤدي مهامها خارج إطار القانون والدستور.
أهانوا القضاء وهمشوه وجعلوا من لجان تحكيمهم قضاء آخر، ويا ويل من تدعوه تلك اللجان ولا يمتثل لأوامرها حتى إن كان لديه أحكام قضائية ناجزة.. ومن يأتي أولاً إليهم ليشكوا غريمه اعتبروه صاحب الحق وأصدروا حكمهم لصالحه.
ولم يكتفوا بفرض سيطرتهم على السجون الحكومية، لكنهم أقاموا سجوناً خاصة بهم، ومارسوا اعتقال خصومهم ومنافسيهم خارج القانون، وابتكروا وسائل جديدة للتعذيب لم نسمع بها من قبلهم؛ كان آخرها (قحوصة) الأستاذ شادي محسن خصروف.
يهدمون البيوت والمقرات والمساجد والمدارس على رؤوس أصحابها، ويكفي من وجهة نظرهم أن يبرروا ذلك بأن أصحابها تكفيريين ( يقصدون مخالفيهم في المذهب)، ثم تأتي قناة المسيرة لتحدثنا عن مصانع المتفجرات التي عثروا عليها، لنكتشف بعد ذلك أنهم عرضوا لنا قدور طبخ لفتيات لبنانيات.
يقتحمون مصلحة الأحوال المدنية ليقطعوا بطائق شخصية لأطفالهم (المجاهدين) وهم دون السن القانونية، ويحلونهم في الوظائف بدلاً عن أناس آخرين صنفوهم على أنهم خصوم، وقاموا بطردهم من وظائفهم إلى الشارع دون أدنى اعتبار لأوضاعهم الإنسانية، بما يمثله ذلك من إفساد للمجتمع وأنظمته الأخلاقية.
يمارسون عملية إفساد قانوني لم يسبق لها مثيل قبل عصرهم، ويفقدون الدولة هيبتها وكيانها، وذلك برفضهم تطبيق القوانين النافذة وفرض تعليماتهم بديلاً عنها (إجازة الخميس مجرد مثال)، بكل ما يمثله ذلك من تحقير لقوانين الدولة وأنظمتها أمام مواطنيها وتشجيعهم على مخالفتها.
يصدرون قرارات تعيين لعناصرهم في مواقع قيادية إدارية وأمنية وغيرها من المواقع بدون قرارات رسمية، والمصيبة أن سلطات الدولة تأتي بعد ذلك لتعتمد تلك المخالفات بدلاً من رفضها (مثلاً: تعيين محافظاً للحديدة ومديراً لشركة صافر).
يفرضون الرسوم والإتاوات في مختلف المواقع التي يهيمنون عليها ( كفضائح صالة التشريفات في مطار صنعاء)، ثم يخرجون شاهرين سيوفهم لمحاربة الفساد.
فرضوا سيطرتهم الكاملة على مؤسسات الإعلام الرسمي باعتراف وزيرة الإعلام ، وجعلوها تسبح بحمدهم بمختلف أنواعها المقروءة والمسموعة والمرئية، وكل ذلك باسم مكافحة الفساد والمفسدين.
تركوا الرؤوس الكبيرة للفساد والإفساد وتحالفوا معها، ثم ذهبوا ليصفوا خصومهم المشتركين باسم الفساد والقضاء عليه.
أوشكوا على الانتهاء من السيطرة على كل المواقع العسكرية والأمنية والقضائية والرقابية والاقتصادية والإعلامية، مع السيطرة على المحافظات، وقدموا أنفسهم بديلاً عن الدولة وسلطاتها، ثم يخرجون ليغردوا لنا بأنهم لا يحكمون.. فقط هم يحاربون الفساد.
خلاصة القول: لا ننكر بأن الدولة اليمنية كانت غارقة في الفساد في عهد النظام السابق وخلال الفترة الانتقالية حتى عنقها، لكن الحوثيون بأفعالهم هذه – المتدثرة بمكافحة الفساد – لن ينتشلوها من بحر فسادها بقدر طمرهم لرأسها في ذلك البحر.
ونحسب أنهم صاروا في طريقهم للدخول في قول الله سبحانه وتعالى [ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ ]، والخروج من ذلك يتمثل بالإقلاع عن تلك الأفعال، وليس بإجبار رؤساء المؤسسات المنتهكة بإصدار بيانات تكذيب.
فهل يراجعون أنفسهم؟ ويقدمون مع بقية شركائهم في العمل السياسي ومؤسسات الدولة المختصة تعريفاً واضحاً للفساد والطرق الناجعة لمكافحته؟ أم أننا سنقرأ الفاتحة قريباً على روح الدولة اليمنية، التي سترديها رصاصة فاسدة وباسم تطهيرها من الفساد مع الأسف الشديد؟!
والسؤال مطروح عليهم هم، أما قادة سلطات الدولة وقادة الأحزاب فهم قد صاروا خارج نطاق التغطية، والضرب في الميت حرام .. واللهم لا شماتة!!