يعيش المواطن المصرى حالة من التوتر و يتملكه شعور بالقلق و عدم الإرتياح نتيجة لما يحيطه من أحداث لا يمكن وصفها بأى شكل من الأشكال بأنها إيجابية أو مبشرة بنتائج ستعود عليه و على أسرته أو مجتمعه بما قامت الثورة من أجله , فالثورة إندلعت لإيقاف مشروع التوريث الذى كانت عائلة مبارك تخطط له و هو ما جعل المواطن المصرى يدرك أنه أصبح يعيش واقع نظام محتل سيورث مقاليده لأولاده فضلا عن المطالبة بتحقيق العدالة الإجتماعية فى توزيع الوظائف و الثروات على المصريين و بالإضافة للعيش الذى يتمثل فى تحسين الظروف المعيشية التى كانت قد ساءت بفعل إهتمام النظام بأى شىء بخلاف مصلحة المواطن البسيط و لم تنعكس معدلات التنمية التى حققتها حكومة نظيف على المواطن البسيط.
و على الرغم من قناعة الشعب المصرى بأن الرئيس الذى أتى من خلال معايير و قواعد الصندوق الإنتخابى لم يكن رئيسا بأغلبية أصوات ساحقة أو حتى توافقية أى بنسبة عاليه من الأصوات إلا أن جميع طوائف الشعب معارضين و متخوفين باركوا نتيجة الإنتخابات الرئاسية و تغاضوا عن مؤثرات عديده – أهمها أنه رئيس وراءه جماعة – أملا منهم فى أن يأتى أى رئيس لمصر ينقلها من المرحلة الإنتقالية التى راح ضحيتها المجلس العسكرى , و يحقق ما طالبت به جموع الشعب فى ثورة يناير, و يكون رئيسا لجميع المصريين على مختلف توجهاتهم و إنتماءاتهم و دياناتهم , و بالتالى تمت محاسبته على أول 100 يوم و تغاضى الشعب مرة أخرى و لكن بعد حوالى 180 يوم فوجىء الشعب بقرارات زيادة الضرائب على بعض السلع و الخدمات و التى تم تأجيلها رغم الإعلان عنه, و قد فسر البعض هذا الإجراء بأنه لعدم التأثير السلبى على نتيجة الإستفتاء على دستور 2012.
إن كل ما حدث خلال الفترة من 22 نوفمبر 2012 و حتى يومنا هذا جعل الشعب يدرك تماما أن من يدير الدولة مكتب الإرشاد و ليس رئيس الدولة و من ينفذ قرارات مكتب الإرشاد هم مسئولين تولوا بعض المهام بالتوازى مع بعض الوزراء و بالتالى فاصبح من غير المنطقى المقارنة بين الرئيس و جهازه التنفيذى من جهة و المعرضة من جهة أخرى و لكن الأصوب أن تتم المقارنة بين مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين من جهة و المعرضة من جهة أخرى.
قد يظن البعض أن المعرضة غير فاعلة و ضعيفة على ضوء ما حدث من أحداث , حيث ظن البعض أن المعارضة كانت ترغب فى الإطاحة برئيس الدولة و أنها لم تنجح فى ذلك, و لكن فى حقيقة الأمر فإن المعارضة الموجودة على الساحة أصبحت قوية و رغم عدم إندماجها كلها تحت راية واحدة إلا أن الأيام القادمة ستشهد تغيير فى نمط و جوهر المعارضة بل و تركيبتها , فالشارع المعارض أصبح أقوى من المعارضة التى تندرج تحت راية الأحزاب السياسية المعارضة و سيفرز رموز قوية و فاعلة للمعارضة.
نجحت المعارضة بكل اشكالها على المستوى الداخلى فى توجيه الراى العام ضد جماعة الإخوان المسلمين كما نجحت فى الضغط على رئيس الدولة من خلال المظاهرات بشأن القرارات المحصنة و هو فى حقيقة الأمر ضغط على مكتب الإرشاد كما نجحت أيضا فى تحقيق نسبة معارضة للدستور جيدة و لا يمكن الإستهانة بها , كما لا يمكن الإستهانة بما حققته المعارضة من إستماله لمؤسسات الدولة من الأجهزة الأمنية و العسكرية و الهيئات القضائية فضلا عن جهاز الإعلام الذى بات لا يخلو من إنتقادات للسياسات و الإجراءات التى يتخذها رئيس الدولة أو مكتب الإرشاد.
أما على المسار الخارجى فقد نجحت المعرضة أيضا فى تغيير النظرة التفاؤلية التى كان ينظر الغرب بها لنظام الإخوان المسلمين فى الحكم و بدأ الغرب فى مراجعة حساباته و تمثلت ردود الأفعال الرسمية فى تأجيل قرض صندوق النقد الدولى و تجميد رفع جزء من الدين الألمانى وتخوف حكومة أنجيلا ميركل من ولادة نظام ديكتاتورى نازى جديد فى مصر , مع رفض القضاء الأسبانى تسليم حسين سالم و رفض الحكومة السويسرية التعامل مع النظام الحالى فى مصر لإستعادة الأموال … مما يعد معيار واضح لما يمكن أن تصل إليه الأمور, كل ذلك يعتبر بداية أكثر من ناجحة للمعارضة سواء كانت حزبية أو جماهيرية , فكل هذه الإجراءات من شأنها الضغط على الرئيس و جماعة الإخوان المسلمين و إعاقتهم فى تحقيق أى تقدم ملموس فى مجالات التنمية.
ستشهد الأيام القادمة تفاقما فى الأزمة بين المعارضة و الإخوان المسلمين و ستتمثل هذه الضغوط فى زيادة حجم المعارضة نتيجة الإنشقاقات داخل صفوف جماعة الإخوان المسلمين ذاتها إسوة بما حدث من إنشقاق المهندس إسلام الكتاتنى عن الجماعة و تشكيله لتيار معارض ينتمى لجيل الثورة و ليس الإخوان المسلمين , كما ستظهر تيارات سلفية معارضة للإخوان حيث بدا فى الأفق أن أحد أجنحة التيار السلفى بدأت فى الشعور بأن جماعة الإخوان تتلاعب بهم لتحقيق مصالحه فقط و بالتالى سيكون لها تأثيرا سلبيا على تحالفاتهم الإنتخابية خاصة مع إقتراب إنتخابات مجلس النواب , كما سيدعم هذه المعارضة حالة الشك التى بدأت تتولد لدى المواطن المصرى فى مجريات ما حدث اثناء ثورة يناير و ما تلاها من أحداث نتيجة لما كشفت عنه بعض الأحداث الأخيرة من وجود سلاح لدى بعض أعضاء الجماعة , كما أن نتيجة الإستفتاء و تعيينات رئيس الجمهورية لمجلس الشورى و التى لم تتضمن أى من رموز المعارضة الحقيقية ستؤدى الى قرارات و تشريعات لن ترضى عنها المعارضة و الشارع بأى حال من الأحوال و ستكون وقودا لزيادة تأثير المعارضة فى الشارع و تاكيدا لمحاورها فى التعامل مع الرئيس و الإخوان المسلمين.
** خبير إستراتيجى