الجزيرة برس – اخبار اليوم – علي الصبيحي -تصفيات، تهميش، إبعاد، وإقصاء، حرمان، موت بطيء.. هذه هي المكافأة التي منحها النظام السابق لقيادات الجنوب العسكرية المؤهلة عقب قيام الوحدة وبدأت وتيرتها بالارتفاع في 93م عندما تم تصفية أكثر من 150كادراً جنوبياً واستمرت تلك الممارسات منذ ما بعد حرب94م وحتى اللحظة..
الكوادر العسكرية الجنوبية تملأهم حسرة مشتعلة صارت أكثر حضوراً في النفس مما تقع عليه العين حتى أجبروا على القول: “لا بارك الله في الوحدة إذا انقطعت أسباب دنياكم من دنيانا” فالوطن منهوب مسلوب بيع بأرخص الأثمان، والحقوق مصادرة غائبة، والعدل مفقود والكرامة مهدورة تحولت بامتهانها قيادات جنوبية مؤهلة إلى سلعة منتهية الصلاحية لا قيمة لها حتى من ضحى بنفسه، يخدم الوطن في كل ذرة من رماله، رموا به مذموماً مقصياً بمرتب زهيد.
“أخبار اليوم” تفتح ملف معاناة الكوادر العسكرية الجنوبية الذين سلبهم النظام السابق إنسانيتهم وحقوقهم وما يزالون ينتظرون حلاً لقضيتهم..
معسكرات ومعاهد ومدارس تدريبية وقادة وأركان وضباط ومدربين “عمداء ـ وعقداء” طمسهم نظام صالح وأبادهم فلم يبق منهم سوى آثار أطلال وذكريات مؤلمة وهم من كانوا درعاً للوطن يحميه من كيد الأعادي.. بنية تحتية ومقومات علمية عالية الكفاءة وحديثة التطوير، معدات باهظة التكاليف كلفت الوطن الآف الدولارات، وكوادر متخصصة في الفنون العسكرية بمؤهلات نادرة وخبرات طويلة أخرجت على مدى أعوام قادة ألوية وقادة كتائب وضباط وأفراد مؤهلين في كافة المجالات والفنون العسكرية.. لكنهم اليوم في منحدر الذل والهوان بعد أن رمى بهم النظام في سراديب الإقصاء والتهميش مسحوقين هم ومعسكراتهم التي لم تعد تكاد تُعرف ولا هم يُعرفون.
خليك في البيت
عقيد/أحمد محمد مثنى شدف ـ نائب الركن الفني المحور الغربي العند ـ عمل في عدة وحدات كمدرس في مدارس التدريب والتأهيل الفني للقوات المسلحة حتى عام94م بعدها وجد نفسه من جملة المهمشين ممن أُطلق عليهم أصحاب “خليك في البيت” ـ حسب قول العقيد المستحق رتبة عميد/أحمد شدف الذي أوضح قائلاً: “نحن تحولنا إلى الوحدات كمدرسين لما نمتلكه من مؤهلات وخبرات طويلة وقد استطعنا أن نخرج كادراً مؤهلاً واليوم من بين طلابي من هم عمداء وقادة إلا أننا بعد 94 أُبعدنا عن أعمالنا وجردنا من مناصبنا وحرمنا من أدنى المستحقات.
في الوقت الذي يمتلك بعض ممن كانوا طلاباً عندي آخر إنتاج اليابان وأنا وأمثالي تم استثناؤنا حتى من مخصصات الأكل واللباس واعتمادات البترول بينما جنود من ذوي الوساطات والقرابة من القيادات الشمالية تصرف لهم كل المستحقات “الغذاء ـ وغيرها” وأضاف العميد شدف: “تصور أن بعض طلابي يأتون إلي ويقولون نحن سنعطيك مواداً غذائية وبترولاً من المخصص الذي يصرف لنا”.
معدات وآليات للبيع
العميد/أحمد شدف ـ الذي يظهر في الصورة وهو يلقي المحاضرات على طلابه في إحدى قاعات المدرسة الفنية ـ هو من المتفوقين علمياً ومن المبرزين في الجانب العملي بشهادات القادة له، حيث سبق وأن قام بإعداد خارطة تدريبية مع رسم جداول الجاهزية الفنية وهو لا يزال برتبة رائد وقد تم تعيينه حينها نائب القائد للشؤون الفنية والتسليح في اللواء “1” مشاة وكانت الخارطة توضح كيفية الهجوم في المعركة، لكن العميد/أحمد شدف ـ الذي يعمل حالياً “سائق أجرة” ـ لم يكن متحسراً على نفسه وحاله أكثر من حسرته وتندمه على ضياع مدارس التدريب التي تم تدميرها وحتى يثبت العميد شدف مصداقيته اصطحبنا إلى موقع إحدى المدارس في عدن وبدأ يحكي لنا كيف كانت سابقاً وما هي عليه اليوم.
وقال: “معدات ومواد تدريبية وآليات ومكائن روسية من المعدن وأقسام مجهزة بأحدث الوسائل الإيضاحية “شاشات تلفزيونية خاصة بتدريب قيادة الدبابات وأخرى لإصلاح الأعطاب مع محركات توضح محتوى المحرك” كل ذلك تم تفكيكها وبيعها بأثمان بخسة وهي تقدر بالآف الدولارات بما فيها مواد تدريب المدفعية بل حتى الهناجر الخاصة بها وهناجر سكن الطلاب قام المسئولون في النظام السابق بتشليحها وبيعها كمعدن بالميزان وباعوا الرافعات والآليات والدكاكات وسيارات نوع فيات بل حتى “بوز” مصنوعة من المعدن تحفظ البرودة أو الحرارة لمدة “24” ساعة بيعت بأقل من قيمتها.
ولفت العميد شدف إلى أنه كان يتم تهديدهم بالتحويل إلى أماكن بعيدة عن أسرهم إذا اعترضوا أو احتجوا على بيع تلك المعدات موضحاً بأن مواداً تدريبية كاملة للشئون الفنية “هندسة سيارات ـ كهرباء عامة ـ ميكانيك ـ تدريب قيادة قاعدة تدريبية مكتملة وفصول مجهزة لتدريب أمناء المخازن على “كيفية خزن القطع الغيار ـ تدوين وصرف للوحدات ـ استلام التالف وتوزيع الجديد ـ خزن مستودعات” تم نهب كل محتوياتها من قبل المسئولين غير الوطنيين ممن قال بأن الوطن ومكتسباته في جيوبهم وليس في قلوبهم، مشيراً إلى أن أكثر من “9” هناجر تم نهب كافة معداتها حتى تركوها هيكل فقط.
الهدم
العقيد/خالد علوي علي ـ مدرس بمعهد الشهيد الثلايا عدن ـ ضابط متخرج من الكلية العسكرية وهو من المهمشين وقد تم تسوية أوضاعهم المالية مؤخراً وعددهم “420” ضابطاً لكنه ـ كما قال ـ لا يزالون مبعدين عن أعمالهم ومنهم عقداء وعمداء بشهادات ماجستير من روسيا وبلغاريا بسبب مواقفهم الوطنية تجاه الممارسات الهدامة.
وأضاف العقيد خالد علوي: “كان معهد الشهيد الثلايا بمثابة أكاديمية عليا تؤهل قادة ألوية وقادة كتائب واليوم يؤهل الصوص، يأتينا الدارسون وبقوة السلاح يريدون الحصول على شهادات وهم “فشلون” مشيراً إلى أن من تمنح لهم الشهادات لا يجيدون حتى كتابة أسمائهم ـ حسب قول العقيد خالد الذي قال: “للأسف المدرس مرتشي والطالب فاشل والسيء تتم ترقيته والنزيه يتم إبعاده، منوهاً إلى أن ملازم من صنعاء أو جندي من الأسرة الحاكمة يقود المعهد ـ ويعطى له منصب بينما عقيد أو عميد لا قيمة له، لذلك لم يصبح للمعهد أي قيمة بل إن بعض أقسامه تم توزيعها وبيعها كمساكن وأنا أطالب القيادة بإعادة معهد الشهيد الثلايا لسابق عهده أو يأخذوا الاسم ويتركوا لنا المعهد.
موت بطيء
عقيد مستحق رتبة عميد/ثابت مثنى محمد ـ التحق بالقوات المسلحة عام74م، ثم في بطاريات الدفاع الجوي ثم تدرج في المناصب ـ سكرتير للواء الأول صواريخ وبعد تخرجه من الكلية العسكرية عين نائب سياسي ثم كبير موجهي اللواء ثم نائب سياسي لواء تيسير وتم تهميشه بعد 94م وقد تحدث عن معاناته قائلاً “ما حدث لنا بعد حرب 94 أعتقد أنه لم يحدث لأي رجل في العالم “إقصاء ـ إبعاد ـ إضعاف وإذلال وحرمان وهذا بحد ذاته موت بطيء حتى شهاداتنا الأكاديمية لم تعتمد لأنها ليست من “باب اليمن” فأنا عقيد منذ عام 98م مكانك سر.
بينما أنا مستحق عميد ركن بل حتى مصطلح “ركن” تم مصادرته علينا فأنا عقيد ركن لكنهم “شالوا” الركن بينما زملاؤنا من الشماليين عمداء وقادة ألوية ونحن في سلة المهملات، لذلك نحن نطالب باستعادة دولة الجنوب كاملة السيادة لاسترداد كرامتنا ومكانتنا وحقوقنا المسلوبة.
قوة غير فاعلة
عقيد/حسين هيثم يحيى ـ التحق بالقوات المسلحة عام74 في المدرعات ـ علق رتبة عقيد عام 90 كان قائد كتيبة الشلفا محافظة عمران ثم مدرساً في مدرسة سلاح المهندسين عدن وبعد حرب 94 تم إخراجه كقوة غير فاعلة دون أي حقوق والعميد/حسين هيثم ـ الذي تم تهميشه وعزله عن عمله ـ بقي ـ كما يقول ـ ضيفاً ثقيلاً في الورشة الموحدة بعد تحويله إليها وهو الذي كان في سلاح المدرعات لا يمر عيد أو مناسبة وطنية إلا وهو من ضمن المكرمين، تقديراً لتفانيه في تأدية الواجب لكنه اليوم في أحضان النسيان بل سلعة مرمية كتب عليها “غير مستفاد منها” ـ حسب تعبيره وبدلاً من الاستفادة من خبرته تم تنحيته بعد 94 فلم يجد أمامه عملاً سوى بيع الخضار يقلبها بين يديه ليل نهار، متحسراً على سنين عمره ولا يريد سوى حقوقه التي حرم منها، موضحاً بأن الوحدة اليمنية كانت تعني للجنوبيين الفرحة الكبرى، لكنهم ما إن دخلوها وجدوا أن باطنها العذاب فأصبحت مكروهة بسبب المظالم والفساد.
قدم عينيه فداءً للوطن
ليس هناك بلاءً أعظم من فقدان الإنسان بصره، حيث يعيش دنياه لا يرى فيها إلا الظلام، يستوي عنده الليل والنهار ولا اعتراض على قضاء الله، لكن الحسرة والقهر والألم أن يفقد الإنسان بصره وهو يؤدي واجبه الوطني ثم هو وبدلاً من أن يُكرم تُسلب منه حقوق “50”عاماً من الخدمة الوطنية لتتضاعف معاناته فيقضي بقية عمره متحسراً على حبيبتيه اللتين ذهب ضوءهما وعلى خدمته المهدورة كما هو الحال مع العم/سالم علي محمد الذي التحق بالجيش عام 65م وفي عام98م أصيب بالعمى في ميدان الواجب في محافظة مأرب في اللواء 32 دفاع جوي وبعد أن فقد بصره أحالوه إلى قيادة القوة الجوية وكما يقول: “ظلينا معذبين حيناً نستلم مرتباتنا وحيناً لا، ولم تتم معالجتي لا من اللواء ولا من قيادة القوة الجوية وعندما تحول معسكر الدفاع الجوي إلى عدن كان راتبي في صنعاء وأني أعمى أرسلت ولدي ليستلم المرتب وأعطيته بطاقتي والتقارير وهناك كانت الصدمة بالنسبة لي.
النكران
يتابع العم سالم علي ـ الذي خدمته العسكرية قرابة 50 عاماً ويستلم مرتب جندي حتى اليوم 47 ألف ريال ـ يتابع الحديث: “عندما وصل ولدي لاستلام مرتبي من الدائرة المالية للقوات المسلحة لأبناء الجنوب قال له “المسيبلي” أبوك “مزيف” وبطاقته مزيفة مع أن البطاقة عليها توقيع المسيبلي نفسه، وبدلاً من إعطائي حقوق خدمتي 48 عاماً صرفوا لي 10 آلاف ريال من أصل 100 ألف ريال بل إنهم قاموا بحبس ولدي عندما غضب وانفعل على حرماني وصبرت على ذلك ولما تم اعتماد زيادة غلاء المعيشة لم أحصل سوى على 3الآف ريال أي ظلم هذا؟.
وأخذ العم سالم ـ الذي تمت إحالته إلى التقاعد برتبة “رائد” ـ يردد “لكن الله في الوجود يا ابني، الله في الوجود” ثم قال: حتى الرائد اليوم مرتبه 82 ألف ريال وأنا خدمتي 48سنة وأنا استلم مرتب جندي منذ عام2004م إلى اليوم حتى عندما أعادوا الناس إلى أعمالهم لم يكن اسمي من بينهم ولم تتم تسوية وضعي وأنا الآن كما ترى خسرت عمري وبصري وها أنا مقعد محروم من حقوقي أي بلد هذا وأي ظلم أكبر مما يجري معي والله لو كنت قُتلت في حرب 94 كان أشرف وأحسن لي”.
مفارقات
أركان حرب سلاح المهندسين العميد/أنعم سعيد أحمد ـ التحق بالقوات المسلحة عام64م تلقى دورات تأهيلية في روسيا في مجال الهندسة ثم سافر إلى إيطاليا ثم عُين بعد عودته أركان حرب سلاح المهندسين ثم مديراً للمشاريع العسكرية وبعد عام94 قيل له كما قيل لغيره “أقعد في البيت” وأضاف العميد أنعم: “كنت استلم مرتبي وأنا في البيت بعدها قاعدوني قسراً بمرتب 70 ألف ريال بينما الذين كتبوا في الجيش يوم علقت أنا الرتبة يستلموا اليوم مرتبات فوق 100 ألف ريال حتى منصبي أعطوه لأحد أفراد العائلة الحاكمة وأنا الآن أطالب بإعادتي إلى العمل وأطالب بحقوق 50سنة من الخدمة.
الغرب أرحم
مقدم/صالح عبدربه ـ خدم في القوات المسلحة على مدى 55عاماً وتدرج في عدة مناصب من قائد سرية إلى قائد كتيبة ومن ثم أركان لواء وآخر من دربهم هم قوات وأفراد لواء “عباس” “تدريباً عسكرياً” من بينهم اليوم عمداء لكن أركان اللواء ـ وكبير المدربين ـ صالح عبدربه تمت إحالته إلى التقاعد برتبة مقدم بمرتب 50 ألف ريال.
وقال أركان لواء مقدم/صالح: المظلوم في الوطن العربي يظل مظلوماً أكان في الشمال أو في الجنوب وأنا واحد منهم، لكن للأسف إننا نحن من دربناهم وأهلناهم حتى إذا ما بلغوا الكراسي همشونا ولا أملك إلا أن أقول رحمة الله على الغرب عندهم إنسانية تجاه شعوبهم وكوادرهم أما عندنا لا توجد لدى القادة مثقال ذرة من الوطنية يأخذون منتوج الأرض ويفسدون.
حكام جهلة
لفت أركان لواء/صالح عبدربة إلى أن من حكم الجنوب سابقاً كانوا أكثر إجراماً، واصفاً إياهم بالجهلة وأضاف: صحيح أنني مظلوم وأعاني لكن هذا جزء يسير مما عانيناه سابقاً ممن حكمونا في الجنوب فقد وصل بهم الحال إلى أنهم قتلوا أكثر من 100 مسؤول دون محاكمة ولا حتى دقيقة ومن يريد أن يتأكد فليسأل ماذا فعلوا بقحطان الشعبي وفيصل عبد اللطيف وسالمين وعبد الفتاح إسماعيل؟
وأشار عبد ربه إلى أنه ـ رغم الحرمان والمظالم ـ إلا أنه يشعر بارتياح موضحاً بقوله: “عشت 50عاماً في القوات المسلحة لكن الشيء الوحيد الذي أعتز به أنني لم أرتكب أي جريمة في حق أحد في الوقت الذي كان الرجل منا يقتل 5 أشخاص من أجل أن يحصل على منصب “هذه حكومتنا الجنوبية السابقة وأنا بريء منها”.
منفيون في أوطاننا
عقيد/محمد علي ناصر ـ قائد كتيبة متخصص في ألوية صواريخ تكتيكية أرض أرض إلى عام94 ـ وعما حدث معه بعدها قال العقيد/محمد علي “بعد الحرب المشؤومة تشردنا خارج الوطن عقب اجتياح الجنوب بعدها عدنا إلى اليمن وأقصينا من أعمالنا وحُرمنا من مستحقاتنا ولازلنا، منفيين داخل أوطاننا غير معترف بنا كضباط حتى عند الجندي البسيط القادم من الشمال، لذلك نحن أمام نظام استبدادي احتلالي متخلف لم نستطع السكوت على ذلك الحال مع أننا نحن من نادى بالوحدة وكانت بالنسبة لنا ثقافة وكنا نحمل مشروعاً لبناء دولة مدنية حديثة تسودها العدالة والمواطنة المتساوية، لكننا فوجئنا بأنه لم تكن هناك دولة في الشمال وتم تدمير 225مصنع في الجنوب وتم إقصاء كل الكوادر الجنوبية.
“يعمل العقيد محمد علي ناصر حالياً سائق أجرة وقد اعترضنا طريقه وأوقناه للحديث أثناء عمله”.