التلفيق على أعلى المستويات! عدنان حسين
الأثنين 9 ذو القعدة 1436ﻫ 24-8-2015م

 

بين السياسي الناجح ونظيره الفاشل فروق كثيرة، من أهمها أن الأول في الظروف الطارئة والاستثنائية والصعبة يفتح عينيه وأذنيه وأنفه وعقله على الآخر لينظر مليّاً في ما يواجهه قبل أن يتّخذ قراره.. أما السياسي الفاشل فيحجز نفسه في زنزانة معتمة ويضرب بيديه ذات اليمين والشمال، موزّعاً الاتهامات على الجميع، سواه، حتى لا يعترف بفشله.. وفي تاريخ بلادنا كان صدام حسين مثالاً صارخاً للسياسي الفاشل الذي تسببت سياساته في خراب وويلات ومحن شديدة متواصلة حتى اليوم.

الظرف الطارئ والاستثنائي والصعب الذي نعيشه الآن لم يفرز من سياسيينا المتنفذين في السلطة سوى اثنين يمكن منحهما شهادة النجاح: رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي تجاوب في الحال مع الحركة الشعبية الاحتجاجية ومطالبها ولم يتهيب تحدي البيئة السياسية غير الملائمة ليواجه ديناصورات نظام المحاصصة ويفرض عليهم برنامجاً إصلاحياً لم يرغبوا فيه ولن يرغبوا.

بعد العبادي أظهر رئيس حركة الإصلاح، وزير الخارجية، إبراهيم الجعفري أنه أيضاً ليس من فريق السياسيين الفاشلين المتحكّم بمقدرات البلاد وبمصير العراقيين، فالسيد الجعفري اختار أول من أمس أن يغرّد خارج سرب الخطباء خلال إحياء الذكرى السنوية لاستشهاد السيد محمد محمد الصدر.

في هذه المناسبة عمد قادة أحزاب وقوى ومنظمات إلى أن يضربوا ذات اليمين وذات الشمال وأن يوزّعوا الاتهامات على المتظاهرين درءاً للاعتراف بأخطائهم وأحزابهم وقواهم ومنظماتهم وبمسؤوليتها، ومسؤوليتهم بالتبعية، عمّا حلّ بالبلاد من خراب قاد إليه الفساد الإداري والمالي الذي مارسه متنفّذون في هذه الأحزاب والقوى والمنظمات.

السيد الجعفري أقرّ في خطبته بأن “ظواهر الفساد دبّت في أروقة الدولة”، وبأن الفساد “تحوّل إلى ثقافة.. وأخطر شيء في الفساد أن يتحوَّل إلى ثقافة”، مؤكداً الحاجة إلى “ثورة” ضد هذا الفساد، ومشيداً بمظاهرات الشعب: “إنَّ شعبنا .. يُعبِّر بشكل رائع واجتماعيٍّ على شكل تظاهرات عن إرادته، وعن حُقوقه المهضومة”، وداعياً إلى “الردَّ الإيجابيَّ والتفاعُل إلى حدِّ التماهي”، وقائلا “نحن مع الإصلاح، ومع القضاء العادل، ومع مُحاسَبة المُقصِّرين، ومع مكافحة الفساد في كلِّ خندق، وفي كلِّ مكان”.

في المقابل فان خطباء آخرين سعوا إلى التحريض ضد المتظاهرين وتلفيق التهم ضدهم بالقول إنهم ضد المرجعية وضد الدين..! لم يحصل أبداً أن رفع متظاهر صوته أو شعاره ضد المرجعية، بل إن المرجعية كانت محل الاحترام والتقدير في صفوف المتظاهرين كلهم عن موقفها المؤيد للمظاهرات والمحرّض على مكافحة الفساد وإصلاح النظام السياسي والنظام القضائي، ولولا موقف المرجعية لوقف الكثيرون ضد الإصلاح.

أما شعار “باسم الدين باكونا الحرامية” فان المغرضين والسياسيين الفاشلين وحدهم من يمكن أن يفسروه بأنه معادٍ للدين.. الشعار في شكله ومضمونه إنما يناهض استخدام الدين لتحقيق منافع شخصية ومآرب سياسية، ويهدف إلى تنقية الدين مما لحق به من أدران ومساوئ على أيدي سياسيين وأتباع لهم ممن عملوا باسم الإسلام واستخدموه استخداماً سياسياً وعملوا على جمع الثروات باسمه.

كان الأولى بهؤلاء، وهم يتابعون مشهد المظاهرات، أن يفتحوا أعينهم وآذانهم وأنوفهم وعقولهم على الآخر، لا أن يتركوا المهمة للمتملقين الذين يلفّقون ويحرّضون ضد المتظاهرين.. كان عليهم أن يقرّوا ويعترفوا بأخطائهم وبخطايا أتباعهم الفاسدين في مؤسسات الدولة، وأن يجدوا في المظاهرات مناسبة لتنظيف صفوف أحزابهم وقواهم ومنظماتهم من الفاسدين والانتهازيين وفلول نظام صدام وأجهزته الأمنية الذين تسللوا زرافات ووحدانا إلى صفوف هذه الأحزاب والقوى والمنظمات، الإسلامية خصوصاً، ليأمنوا من الحساب والعقاب وليمارسوا فسادهم، فهؤلاء وليس المتظاهرون هم الذين يحطّون من قدر الدين والمرجعية على مدار الساعة، لأنهم باسم الدين يمارسون موبقاتهم وينهبون المال العام والخاص.

نقلا عن المدى