الإعلام المصري بين الديمقراطية والانقلاب : قطب العربي
الخميس 15 ربيع الأول 1435ﻫ 16-1-2014م

 

مثلت النصوص والفقرات الخاصة بالاعلام والصحافة في دستور 2012 نقلات نوعية للاعلام المصري الى الأمام بينما يعتبر  ما ورد في تعديلات لجنة الخمسين مجرد رتوش لم تضف كثيرا سوى النص على منع وقف أو إلغاء الصحف وهو ما خالفته سلطة الانقلاب عقب الانتهاء مباشرة من صياغة الوثيقة، وإلغاء الحبس في بعض جرائم النشر وليس كلها على خلاف مطالب القوى الاعلامية الليبرالية واليسارية في عهد مرسي وكذا النص على عدم رفع الدعاوى بطريق الادعاء المباشر على الأعمال الفنية والأدبية وقصر اقامة الدعاوى من خلال النيابة فقط بما يعني انهاء دعاوى الحسبة  رغم انها كانت قد انتهت بالفعل  في قانون المرافعات عقب قضية التفريق بين الدكتور نصر ابوزيد وزوجته.

بدأ الاهتمام بالاعلام والصحافة في دستور 2012 من الديباجة التي أورت فقرة كاملة تضمنت حديثا شاعريا عن القوى الناعمة ومن ضمنها الإعلام والصحافة “ريادة مصر الفكرية والثقافية، تجسيد لقواها الناعمة ونموذج عطاء بحرية مبدعيها ومفكريها، وجامعاتها، ومجامعها العلمية واللغوية ومراكزها البحثية، وصحافتها وفنونها وآدابها وإعلامها، وكنيستها الوطنية، وأزهرها الشريف الذى كان على امتداد تاريخه قوّاما على هوية الوطن، راعيا للغة العربية الخالدة، والشريعة الإسلامية الغراء، ومنارة للفكر الوسطى المستنير” بينما لم تتضمن ديباجة الدستور الجديد أي اشارة عن الاعلام

أما النقلات الكبرى التي تضمنها دستور 2012 فهي

اولا حق الحصول على المعلومات ومساءلة من يمتنع عن إعطاء المعلومات لأول مرة  وهو ما ورد في المادة (47) “الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق، والإفصاح عنها، وتداولها، حق تكفله الدولة لكل مواطن؛ بما لا يمس حرمة الحياة الخاصة، وحقوق الآخرين، ولا يتعارض مع الأمن القومى. وينظم القانون قواعد إيداع الوثائق العامة وحفظها، وطريقة الحصول على المعلومات، والتظلم من رفض إعطائها، وما قد يترتب على هذا الرفض من مساءلة.”

وكانت نصوص الدستور السابق في 1971 تتحدث فقط عن حق المعلومات دون ان تقرنه بعقوبة توقع على من يمتنع عن الادلاء بالمعلومات

وقد تكررت هذه المادة ( في نصين يكملان بعضهما في وثيقة الخمسين المادة (68): المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمداً.

وتلتزم مؤسسات الدولة بإيداع الوثائق الرسمية بعد الانتهاء من فترة العمل بها بدار الوثائق القومية، وحمايتها وتأمينها من الضياع أو التلف، وترميمها ورقمنتها، بجميع الوسائل والأدوات الحديثة، وفقاً للقانون.

ورغم أن نص المادة 68 جاء خاليا من قيد الأمن القومي التي وردت بدستور 2012 إلا أن هذا القيد جاء في نص آخر في وثيقة الخمسين في المادة (31): أمن الفضاء المعلوماتى جزء أساسى من منظومة الاقتصاد والأمن القومى، وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ عليها، على النحو الذى ينظمه القانون.

المادة 48  كانت مجرد تكرار بصياغة جديدة لنص في دستور 1971 وان خلت من ذكر  جملة “الصحافة سلطة شعبية مستقلة” ، وذلك لأن تلك الجملة كانت مجرد وهم باعه الرئيس الأسبق السادات للصحفيين في غمرة صراعه مع قسم منهم ، فاراد ان يسترضيهم بهذه الصياغة التي لاتعني في الواقع شيئا، لأن السلطات في كل النظم الديمقراطية هي ثلاث حصرا ( التشريعية والتنفيذية والقضائية)، ولم يكن هناك اي معني أو قيمة ملموسة للادعاء بان الصحافة سلطة شعبية مستقلة، ولذلك لم نجد دفاعا للمطالبة بعودة هذه الجملة من نقيب الصحفيين ضياء رشوان ووكيل النقابة  جمال فهمي وغيرهم من الصحفيين اعضاء لجنة الخمسين لإدراكهم لذلك المعنى، لكنهم كانوا حريصين على حذف جملة أخرى من المادة  وهي ” الاسهام في تكوين الرأي العام وتوجيهه في اطار المقومات الأساسية للمجتمع” وهو حذف يعكس هوية القائمين على التعديلات  وها هو نص مادة دستور 2012 “المادة (48) حرية الصحافة والطباعة والنشر وسائر وسائل الإعلام مكفولة. وتؤدى رسالتها بحرية واستقلال لخدمة المجتمع والتعبير عن اتجاهات الرأى العام والإسهام فى تكوينه وتوجيهه فى إطار المقومات الأساسية للدولة والمجتمع والحفاظ على الحقوق والحريات والواجبات العامة، واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين ومقتضيات الأمن القومى؛ ويحظر وقفها أو غلقها أو مصادرتها إلا بحكم قضائى. والرقابة على ما تنشره وسائل الإعلام محظورة، ويجوز استثناء أن تفرض عليها رقابة محددة فى زمن الحرب أو التعبئة العامة.”

وهذا هو نص مادة وثيقة لجنة الخمسين ” المادة (72): تلتزم الدولة بضمان استقلال المؤسسات الصحفية ووسائل الإعلام المملوكة لها، بما يكفل حيادها، وتعبيرها عن كل الآراء والاتجاهات السياسية والفكرية والمصالح الاجتماعية، ويضمن المساواة وتكافؤ الفرص فى مخاطبة الرأى العام.”

النقلة النوعية الثانية  في دستور 2012 هي حرية اصدار الصحف لعموم الأفراد الطبيعيين وليس فقط الأشخاص الإعتبارية كما كان في الدساتير السابقة،

النقلة النوعية الثالثة في المادة ذاتها هي العمل بمجرد الإخطار لاصدار الصحف دون الحاجة الى التعقيدات الادارية والامنية التي كانت قائمة على مدار عقود سابقة

حيث نصت المادة (49) “حرية إصدار الصحف وتملكها، بجميع أنواعها، مكفولة بمجرد الإخطار لكل شخص مصرى طبيعى أو اعتبارى.

 وينظم القانون إنشاء محطات البث الإذاعى والتليفزيونى ووسائط الإعلام الرقمى وغيرها” وهو النص الذي تكرر في وثيقة لجنة الخمسين في المادة (70) مع فارق وهو تقليص حرية الاصدار للافراد الطبيعيين  وربطها بما ينظمه القانون بينما كان حقا مطلقا في دستور 2012 ونص المادة 70 هو : “حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقى والمرئى والمسموع والإلكترونى مكفولة، وللمصريين من أشخاص طبيعية أو اعتبارية، عامة أو خاصة، حق ملكية وإصدار الصحف وإنشاء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ووسائط الإعلام الرقمى.وتصدر الصحف بمجرد الإخطار على النحو الذى ينظمه القانون، وينظم القانون إجراءات إنشاء وتملك محطات البث الإذاعى والمرئى والصحف الإلكترونية”.( بما يفتح الباب لعودة الرقابة الأمنية مجددا).

النقلة النوعية الرابعة هي تكوين مجلس وطني للاعلام وهيئة وطنية للصحافة والاعلام بما يحقق الاستقلالية الكاملة للصحافة والاعلام مهنيا وماليا وسياسيا الخ ، وبما يلغي وزارة الاعلام ودور مجلس الشورى في ملكية المؤسسات الصحفية القومية، وقد جاء تشكيل المجلس الوطني للاعلام والهيئة الوطنية للصحافة والاعلام ضمن الباب الرابع وهو باب الهيئات المستقلة التي وضع الدستور العديد من المواد التفصيلية التي تضمن استقلالها وحياديتها، وقد نصت المادة 215على ” يتولى المجلس الوطنى للإعلام تنظيم شئون البث المسموع والمرئى وتنظيم الصحافة المطبوعة والرقمية وغيرها. ويكون المجلس مسئولا عن ضمان حرية الإعلام بمختلف صوره وأشكاله والمحافظة على تعدديته، وعدم تركزه أو احتكاره، وعن حماية مصالح الجمهور، ووضع الضوابط والمعايير الكفيلة بالتزام وسائل الإعلام المختلفة بأصول المهنة وأخلاقياتها، والحفاظ على اللغة العربية، ومراعاة قيم المجتمع وتقاليده البناءة.”

كما نصت المادة (216) على “تقوم الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام على إدارة المؤسسات الصحفية والإعلامية المملوكة للدولة، وتطويرها، وتنمية أصولها، وضمان التزامها بأداء مهنى وإدارى واقتصادى رشيد”.

وقد تم تقسم هاتين المادتين الى 3 مواد  في وثيقة الخمسين، وذلك بتقسيم الهيئة الوطنية للصحافة والاعلام الى هيئتين احداهما للصحافة وتحل محل مجلس الشورى واخرى للاعلام وتحل محل وزارة الاعلام ، وكانت النصوص كالتالي

المادة (211): المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الفنى والمالى والإدارى، وموازنتها مستقلة. ويختص المجلس بتنظيم شئون الإعلام المسموع والمرئى، وتنظيم الصحافة المطبوعة، والرقمية، وغيرها.

ويكون المجلس مسئولاً عن ضمان وحماية حرية الصحافة والإعلام المقررة بالدستور، والحفاظ على استقلالها وحيادها وتعدديتها وتنوعها، ومنع الممارسات الاحتكارية، ومراقبة سلامة مصادر تمويل المؤسسات الصحفية والإعلامية، ووضع الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام الصحافة ووسائل الإعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها، ومقتضيات الأمن القومى، وذلك على الوجه المبين فى القانون. ويحدد القانون تشكيل المجلس، ونظام عمله، والأوضاع الوظيفية للعاملين فيه.

ويُؤخذ رأى المجلس فى مشروعات القوانين، واللوائح المتعلقة بمجال عمله.

 المادة (212): الهيئة الوطنية للصحافة هيئة مستقلة، تقوم على إدارة المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة وتطويرها، وتنمية أصولها، وضمان تحديثها واستقلالها، وحيادها، والتزامها بأداء مهنى، وإدارى، واقتصادى رشيد.

ويحدد القانون تشكيل الهيئة، ونظام عملها، والأوضاع الوظيفية للعاملين فيها.

ويُؤخذ رأى الهيئة فى مشروعات القوانين، واللوائح المتعلقة بمجال عملها.

المادة (213): الهيئة الوطنية للإعلام هيئة مستقلة، تقوم على إدارة المؤسسات الإعلامية المرئية والإذاعية والرقمية المملوكة للدولة، وتطويرها، وتنمية أصولها، وضمان استقلالها وحيادها، والتزامها بأداء مهنى، وإدارى، واقتصادى رشيد.ويحدد القانون تشكيل الهيئة، ونظام عملها، والأوضاع الوظيفية للعاملين فيها. ويُؤخذ رأى الهيئة فى مشروعات القوانين، واللوائح المتعلقة بمجال عملها

النقلة الخامسة وكانت تلبية لرغبة عارمة في الوسط الصحفي ضمن القطاع المهني بشكل عام وهي تكوين نقابة واحدة فقط لكل مهنة، وهذا ما يقضي على هواجس الكثيرين خصوصا في الوسط الصحفي من امكانية تعدد النقابات الصحفية ما يفقد الصحفيين امتيازاتهم ويعرضهم لبعض المخاطر وجاء النص دستور 2012  في المادة  (53) “ينظم القانون النقابات المهنية، وإدارتها على أساس ديمقراطى، وتحديد مواردها، وطريقة مساءلة أعضائها عن سلوكهم فى ممارسة نشاطهم المهنى وفق مواثيق شرف أخلاقية. ولا تنشأ لتنظيم المهنة سوى نقابة مهنية واحدة.

ولا يجوز للسلطات حل مجلس إدارتها إلا بحكم قضائى، ولا تفرض عليها الحراسة.

وقد تكررت المادة في وثيقة الخمسين المادة (77): “ينظم القانون إنشاء النقابات المهنية وإدارتها على أساس ديمقراطى، ويكفل استقلالها ويحدد مواردها، وطريقة قيد أعضائها، ومساءلتهم عن سلوكهم فى ممارسة نشاطهم المهنى، وفقاً لمواثيق الشرف الأخلاقية والمهنية.

ولا تنشأ لتنظيم المهنة سوى نقابة واحدة. ولا يجوز فرض الحراسة عليها أو تدخل الجهات الإدارية فى شئونها، كما لا يجوز حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائى، ويؤخذ رأيها فى مشروعات القوانين المتعلقة بها.

أما الجديد الذي تضمنته وثيقة الخمسين فهو الخاص بإلغاء عقوبة الحبس في بعض جرائم النشر وليس كلها ، وحظر وقف أو اغلاق أو مصادرة الصحف  ووسائل الإعلام بشكل مطلق بينما كان دستور 2012 ينص على جواز ذلك إلا بحكم قضائي حيث نصت المادة المادة (71): يحظر بأى وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها. ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها فى زَمن الحرب أو التعبئة العامة.

ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بطريق النشر أو العلانية، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن فى أعراض الأفراد، فيحدد عقوباتها القانون.

وللمحكمة فى هذه الأحوال إلزام المحكوم عليه بتعويض جزائى للمضرور من الجريمة، إضافة إلى التعويضات الأصلية المستحقة له عما لحقه من أضرار منها، وذلك كله وفقاً للقانون.”

وفي النقطة الأولى الخاصة بالحظر والاغلاق الذي يمنع الدستور فقد حدث بالفعل  وبمجرد قرار اداري عقب انتهاء اللجنة من صياغة وثيقتها وذلك باغلاق صحيفة الحرية والعدالة الناطقة باسم حزب الحرية والعدالة والذي لايزال قائما من الناحية القانونية ورغم ان دستور 2012 والدساتير السابقة تمنع وقف أو مصادرة الصحف بقرار اداري

أما النقطة الثانية الخاصة بالحبس في قضايا النشر فقد رفضت الجمعية التأسيسية تضمينها في دستور 2012 بحجة أن هذا  نص قانوني وليس نص دستوري، وكانت النية تتجه بالفعل لوضع المادة التي تضمنتها وثيقة الخمسين في قانون الصحافة الجديد.

هناك اضافة جديدة في وثيقة الخمسين لا تقتصر على الاعلاميين وان كانوا مستفيدين منها وهي الخاصة بحرية الابداع ودور الدولة في حمايته والتي تضمنتها المادة 46 من دستور 2012، غير أن وثيقة الخمسين اضافت إليها أمرا جوهريا وهو منع دعاوى الحسبة وقصر رفع الدعاوى على النيابة العامة فقط ، وعدم توقيع عقوبات الحبس في بعض جرائم الانتاج الفني ، وهذاه لمسة الفنانين المشاركين في لجنة الخمسين ومنهم خالد يوسف وسلماوي وسيد حجاب  واسهامات إلهام شاهين وغيرها من الفنانين والفنانات الذين شاركوا في صياغة الدستور ولجان استماعه فنصت المادة  (67): حرية الإبداع الفنى والأدبى مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك.

ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بسبب علانية المنتج الفنى أو الأدبى أو الفكرى، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن فى أعراض الأفراد، فيحدد القانون عقوباتها.

وللمحكمة فى هذه الأحوال إلزام المحكوم عليه بتعويض جزائى للمضرور من الجريمة، إضافة إلى التعويضات الأصلية المستحقة له عما لحقه من أضرار منها، وذلك كله وفقاً للقانون.، ولاننسى أن وثيقة الخمسين في مقابل اطلاق حرية الابداع فإنها ألغت المادة 44 التي كانت تحظر الاساءة للرسل والأنبياء .

المصدر:الجزيرة مباشر مصر