الجزيرة برس -بيروت (رويترز) – قال مصدر استخباراتي غربي إن إسرائيل شنت ثاني ضرباتها الجوية على سوريا خلال أيام في ساعة مبكرة يوم الأحد في هجوم هز دمشق بسلسلة من الانفجارات القوية وأدى إلى تصاعد أعمدة اللهب إلى عنان السماء في ظلمة الليل.
ورفضت إسرائيل التعليق غير أن سوريا اتهمتها بضرب منشأة عسكرية شمالي العاصمة وهي نفس المنشأة التي استهدفتها طائرات إسرائيلية منذ ثلاثة أشهر. وحثت إيران -الحليف الرئيسي للرئيس السوري بشار الأسد والعدو اللدود لإسرائيل- دول المنطقة على التصدي للهجوم الإسرائيلي.
وتحدث سكان يقيمون قرب قاعدة جمرايا عن انفجارات وقعت في أماكن مختلفة قرب دمشق على مدار بضع ساعات بما في ذلك بلدة يقطن بها عدد من كبار المسؤولين. وقال أحد السكان “لقد تحول الليل إلى نهار.”
وقال المصدر الغربي لرويترز إن الهجوم استهدف صواريخ منقولة من إيران إلى جماعة حزب الله اللبنانية وهو هدف مماثل لذلك الذي استهدفته ضربتان سابقتان هذا العام وصفتهما الولايات المتحدة حليف إسرائيل بأنهما مبررتان.
وأضاف المصدر “على غرار الهجوم السابق فإن ما استهدف خلال هجوم الليلة الماضية هو مخازن لصواريخ الفاتح-110 التي تنقل من إيران إلى حزب الله.”
وأكد مسؤول إسرائيلي وقوع غارة مماثلة يوم الجمعة. وفي لبنان رفض حزب الله التعليق على الفور.
وأظهرت لقطات مصورة نشرها نشطاء على الإنترنت سلسلة من الانفجارات التي أضاء أحدها سماء دمشق وأدى آخر إلى تصاعد عمود من اللهب إلى جانب بعض الانفجارات الثانوية.
واتهمت وسائل الإعلام الحكومية السورية إسرائيل بشن الهجوم ردا على النجاحات التي حققتها قوات الأسد مؤخرا في مواجهة مقاتلي المعارضة الذين يسعون للإطاحة بالرئيس منذ أكثر من عامين بمباركة غربية.
وعلى مدار 40 عاما أعقبت الحرب التي خاضتها إسرائيل مع سوريا في ظل حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد دخلت إسرائيل في مواجهة باردة مع دمشق وحاربت حزب الله في لبنان عام 2006 وتهدد بمهاجمة إيران وتتهمها بمحاولة تطوير أسلحة نووية.
غير أنها تتوخى الحذر إزاء عدم الاستقرار في سوريا وطالما اعتبرت حزب الله بمثابة أكبر تهديد مباشر عليها ولم تبد تحمسا يذكر تجاه الدعوات الأمريكية والأوروبية المنادية بالإطاحة بالأسد.
وتأتي الغارة الجوية عقب جدل محتدم في الولايات المتحدة بشأن ما إذا كان استخدام القوات السورية للأسلحة الكيماوية قد يدفع الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى التدخل بقوة أكبر والوقوف مع مقاتلي المعارضة غير أن القوى الغربية لا تزال قلقة من وجود المقاتلين الإسلاميين المناوئين للغرب بين معارضي الأسد.
ولم يتضح بعد ما إذا كانت إسرائيل قد سعت إلى موافقة الولايات المتحدة على الهجوم حيث أشار مسؤولون في الماضي إلى أن إسرائيل لا ترى ضرورة إلا لإبلاغ واشنطن بعد بدء المهمة.
وفي ظهور علني روتيني لم يشر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الهجمات بشكل مباشر ولكنه تحدث بوضوح عن مسؤوليته في تأمين مستقبل إسرائيل.
وأكد نتنياهو عزمه السفر إلى الصين في وقت لاحق يوم الأحد مما يعكس ثقته في أن الأسد وحزب الله سيحدان من أي رد انتقامي مثلما حدث في هجوم يناير كانون الثاني. ورغم ذلك أفاد مصدر عسكري إسرائيلي بأن الجيش نشر المزيد من الأنظمة الدفاعية المضادة للصواريخ قرب الحدود الشمالية في الأيام الماضية.
وقال رجل من حماة التي تبعد أقل من ميل عن مركز البحوث العلمية في جمرايا لرويترز “احمرت السماء طوال الليل. لم ننعم بالنوم لثانية واحدة. فقد بدأت الانفجارات بعد منتصف الليل واستمرت طواله.”
وأضاف انه رأى انفجارات من كل الانحاء وأن الناس لجأوا الى الاقبية في تلك الاثناء.
وتحدث شاهد آخر عن نيران اندلعت قرب بلدة قرى الأسد الواقعة على مسافة نحو خمسة كيلومترات غربي جمرايا حيث يقطن الكثير من المسؤولين الحكوميين رفيعي المستوى. وفي وسط دمشق قال أناس إنهم ظنوا للوهلة الأولى أن هناك زلزالا.
وذكرت وسائل الإعلام الحكومية أن هدف الهجوم هو مركز البحوث العلمية في جمرايا الذي استهدفته إسرائيل بهجوم آخر يوم 30 يناير كانون الثاني. وتقع جمرايا على الأطراف الشمالية لدمشق وعلى مسافة 15 كيلومترا فقط من الحدود اللبنانية.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يتخذ من بريطانيا مقرا له إن الانفجارات استهدفت جمرايا ومستودع ذخيرة قريب منها.
وقال نشطاء آخرون إنه ربما استهدفت لواء صواريخ وكتيبتان من الحرس الجمهوري أيضا في المنطقة التي تشهد انتشارا عسكريا كثيفا إلى الشمال من دمشق.
وذكر أشخاص يقيمون في جنوب لبنان إنهم سمعوا دويا متكررا لطائرات تحلق من فوقهم ويعتقدون أنها إسرائيلية.
وخلت شوارع وسط دمشق تقريبا من المارة والسيارات صباح الأحد بداية أسبوع العمل في سوريا وأغلقت المتاجر أبوابها إلا القليل منها. ويبدو أنه تم تعزيز نقاط التفتيش التي تحمي المنطقة الخاضعة لسيطرة الحكومة من هجمات المعارضين بأفراد إضافيين.
وقالت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) إن هذه الضربات جاءت ردا على المكاسب العسكرية التي حققتها قوات الأسد في مواجهة مقاتلي المعارضة.
وأضاف الوكالة الرسمية “يأتي العدوان الإسرائيلي الجديد في محاولة واضحة للتخفيف عن المجموعات الإرهابية المسلحة بعد الضربات الموجعة التي تلقتها على يد جيشنا الباسل في أكثر من مكان وبعد تحقيق قواتنا المسلحة العديد من الإنجازات على طريق إعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع سوريا.”
وقال أوباما قبل فترة وجيزة من هجوم الأحد إن إسرائيل لديها الحق في التحرك مضيفا “يجب على الإسرائيليين أن يتوخوا الحذر من نقل أسلحة متقدمة إلى منظمات إرهابية مثل حزب الله وهو أمر له ما يبرره.”
وفي إسرائيل قالت متحدثة عسكرية عن الهجوم في سوريا “لا نرد على تقارير من هذا النوع.”
وحضر نتنياهو مراسم افتتاح تقاطع على طريق سريع سمي باسم والده الراحل إحياء لذكراه. ولم يشر نتنياهو إلى الغارات ولكنه قال “علمني (والدي) أن أكبر مسؤولية تقع على عاتقنا هي ضمان أمن إسرائيل ومستقبلها.”
وكثيرا ما أوضحت إسرائيل أنها مستعدة لاستخدام القوة للحيلولة دون وصول أسلحة متقدمة من سوريا إلى حزب الله الذي خاض معها حربا قبل سبع سنوات استمرت 34 يوما.
وقال عوزي روبين وهو خبير صواريخ إسرائيلي ومسؤول دفاعي سابق إن صواريخ الفاتح-110 “أفضل من سكود إذ لديها رأس حربي تزن نصف طن.” وذكر أن ايران قالت إنها عدلت هذا الصاروخ لاستخدامه ضد السفن من خلال تركيب نظام توجيه به.
وفي الوقت الذي يخوض فيه الأسد معركته مع المعارضة المسلحة تشعر إسرائيل بالقلق من أن يستولي المعارضون الإسلاميون في الدولة ذات الأغلبية السنية على أسلحته ويستهدفون بها إسرائيل مما ينهي أربعة عقود من الهدوء النسبي عبر الحدود.
ولم تظهر مؤشرات فورية تبين كيف سترد سوريا على هجوم الأحد. وبعد الغارة التي شنتها إسرائيل في يناير قدمت دمشق احتجاجا للأمم المتحدة وتعهد السفير السوري في لبنان باتخاذ “قرار مفاجئ” ولكن لم يحدث أي رد عسكري مباشر.
ونقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية عن وزير الدفاع الإيراني أحمد وحيدي قوله يوم الأحد “هجوم النظام الصهيوني على سوريا والذي جاء بموافقة الولايات المتحدة كشف عن العلاقة بين الإرهابيين المرتزقة وأنصارهم والنظام الذي يحتل القدس. تلك الأفعال الشريرة التي يقوم بها النظام الصهيوني يمكن أن تهدد أمن المنطقة بأكملها.”
وبدأت الانتفاضة المناوئة للأسد باحتجاجات في الشوارع قوبلت بالقوة وتحولت إلى حرب أهلية دامية تقول الأمم المتحدة إنها أودت بحياة ما لا يقل عن 70 ألف شخص.
وفقد الأسد السيطرة على مناطق كبيرة في شمال سوريا وشرقها ويحارب المعارضة المسلحة على أطراف دمشق.
لكن قواته شنت هجمات مضادة في الأسابيع القليلة الماضية على مقاتلي المعارضة حول دمشق وقرب مدينة حمص التي تربط بين العاصمة ومعقل الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد على ساحل البحر المتوسط.
وأفاد نشطاء من المعارضة بأن مئات الأسر السنية فرت من مدينة بانياس الساحلية يوم السبت بعد مقتل ما لا يقل عن 62 شخصا على يد المقاتلين المؤيدين للأسد تاركين الجثث المتفحمة والغارقة في الدماء ملقاة في الشوارع. وهذه هي ثاني مذبحة يتردد وقوعها في المنطقة خلال الأيام الماضية.