أين المقاومة العراقية من دورها في التصدي للمشروع الإيراني : حامد الكيلاني
الأربعاء 25 شوال 1438ﻫ 19-7-2017م


الجزيرة برس -حامد الكيلاني طفل عراقي بعمر 4 أعوام تم تسجيله بأقرب روضة في ذات الحي الذي تسكنه عائلته في بغداد، أيام معدودة حتى تحول المبنى المجاور للروضة إلى مقر لميليشيات متنفذة سرعان ما أحيط بالحواجز الكونكريتية، ومع مخاوف الأسر على أطفالها حدث ارتباك من احتمالات خرق أمني للمقر؛ المحصلة إغلاق الروضة ونقلها إلى مكان آخر والإبقاء على مقر الميليشيا.

أي أن الميليشيا طردت روضة الأطفال؛ بعبارة أخرى لم تتعايش البراءة ورغبة الأسر في حياة طبيعية لأطفالهم مع العنف والسلاح.

عند الحديث عن الميليشيا في العراق وبتعميم مثالنا عن روضة الأطفال، يكفي أن نشير إلى أنه فقط في الحشد الشعبي ما يقارب من 80 ميليشيا تنتمي لمرجعيات متعددة وإن توحدت في نسيجها الطائفي ولغة خطابها. قادتهم يجاهرون بارتباطهم بولاية الفقيه والتزامهم العقائدي بنهج مرشد الثورة الإسـلامية خامنئي، بل إن إيران تـؤكد أن حشدها أو حرسها هو العمـود الفقري العقائدي للجيش والقوات العراقية النظامية، وذلك أثناء احتفالاتها أو قيادتها الاحتفالات بالنصر على داعش في الموصل.

ورغم أن الحشد الميليشياوي مدّعم بفتوى من مرجعية النجف المذهبية إلا أن الحصاد الطائفي تجمعت بيادره في قم وطهران. إيران تصدّرُه إلى العراق أولا، وإلى دول المنطقة ثانيا. الصادرات تملأ الأسواق والعقول أيضا، المؤشرات الحالية تقول إن إيران تهيمن على العراق ومصيره إلى أن تتغير وقائع النظام السياسي جذريا، وذلك يحتاج إلى تربة صالحة وجديدة بعد زوال الطبقة السياسية وأحزابها وكتلها الحاكمة مع شخوصها منذ الاحتلال في سنة 2003 إلى اليوم.

البديهي أن الأسلحة والتجييش مهما كانت عدتهما وعتادهما لا يمكن أن يقضيا على داعش والتنظيمات الإرهابية وعملياتها وهجوماتها كمجموعات أو كذئاب منفردة عن قطيعها. حديثنا عن مغزى كل القدرات العسكرية بالصنوف المختلفة التي شاركت في الحرب على داعش ودحره في الموصل. فالأرقام عن أعداد قتلى تنظيم داعش مشكوك فيها وتفتقر إلى التوثيق في بيانات يومية وإحصاءات ميدانية، وفي اعتقادنا هي جزء من تبرير لحجم التدمير والموت الجماعي للأسر تحت أنقاض البيوت المستهدفة بالصواريخ والقنابل والقذائف الخاصة بمعارك الجبهات المفتوحة بين الجيوش النظامية، وليس المعارك الخاصة بقتالات المدن.

في معارك الساحل الأيمن من الموصل تم استدراك الخطط العسكرية ومراجعتها لأنها أنتجت حماقات تداولها الإعلام كإبادات راح ضحيتها المئات من الأبرياء المتجمعين في ملاجئ بسيطة داخل محلات الموصل القديمة، بما يعني أن حرب تحرير الموصل من داعش كانت فاشلة في تقييمها لأداء واجباتها العسكرية ونجاحاتها، لأن الأسلحة لم تكن مقيدة، وحتى حجة إطالة أمد الحرب لإنقاذ المدنيين وفتح ممرات آمنة، كلفت أعدادا كبيرة من الضحايا.

كان توجيه القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى المواطنين بالبقاء في بيوتهم أكبر الأثر في موت أعداد كبيرة منهم تحت الركام، وهذا دليل على عشوائية المعركة فكرا وسلاحا.

نهاية داعش في الموصل، وهي نهاية بكل المقاييس لمدينة الموصل، وإعلان النصر والاستعراضات العسكرية في بغداد وغيرها من المدن بما فيها من خروقات وطنية ترتبط بالدعاية للمشروع الإيراني وتصريحه بوسائله ومريديه من ساسة وأحزاب وميليشيات باحتلاله لإرادة العراق وسلطته وسيادته، إنما هي تعبير عن ردة فعل تجاه الحرب العالمية على الإرهاب وتوافقات المصالح الدولية ورؤيتها لمستقبل المنطقة إن في العراق أو سوريا تحديدا.

انتشار السلاح بيد الميليشيات، مع داعش أو من دونه، يقدم لنا صورة عن عراق الحاضر والقادم. ما حصل نموذج مصغر لا علاقة له بفصائل الحشد الطائفي في الحمدانية مثلا، وهي مدينة في سهل نينوى، إذ أقدمت مجموعات ميليشياوية مسيحية على الصراع في ما بينها رغم كل جهود الإعمار المتسارعة فيها لإعادة الأمل وتشجيع أهلها على العودة، إلا أن الميليشيات تصارعت بسلاحها غير المنضبط ولأسباب أحياناً فردية أو مزاجية عدا عن احتمال كونها فرض إرادات وواقع زعامات حرب على المدن.

ما حدث في الحمدانية صورة مصغرة للعلاقة حتى بين أفراد من أقلية دينية عانت الويلات من داعش ومن الانقسام المجتمعي الذي أدى إلى تدمير مدنهم وصروحهم الثقافية والدينية.

لماذا الاقتتال؟ حتما لغياب مشروع الدولة والقانون والنظام السياسي القادر على اغتنام فرصة الاهتمام الدولي بالعراق، وتحقيق مكاسب بعيدة المدى لمـواطنيه باحترافية تتجاوز الغـايات المذهبية والقومية والاصطفافات العقائدية الهدامة لكل جهد وطني يمكن أن ينبثق من أعمـاق حجم المأساة التي تعرض لها العراق.

الحقيقة أن الصراع بين المكونات المذهبية والطائفية نتاج المدرسة الإيرانية لنظام الولي الفقيه ومقلديه الذين استولوا على السلطة بعد الاحتلال، وتركتها لهم غنيمة مطلقة إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما؛ رغم التحذيرات المتعددة من رجالات أميركا ذاتها في العراق وعلى رأسهم رايان كروكر السفير الأميركي السابق في العراق الذي وجه عدة رسائل ينبه فيها إدارته لمخاطر ترك العراق إلى إيران، لكن صوته مع أصوات أخرى ضاعت أصداؤها مع لحظة أوباما المتوقفة على إنجاز توقيع الاتفاق النووي مع إيران.

في المعاهد والجامعات الأمنية المرموقة في العالم درس يختصر الفشل أو النهوض في أي بلد من بلدان العالم ومن ذلك ما يتعلق بمخاطر الأمن على التنمية، وذلك بتشبيه البلدان الفاشلة ببقعة عشب صفراء فقدت قدرتها على الحياة وبدت بالتمدد دون أن تُعالَج إلى كل مساحة العشب الأخضر.

في الدول الناجحة وبعضها نامية فعلا وفيها أمل للتقدم ولو بخطوات تتناسب مع إمكانياتها يحصل العكس، إذ أن بقعة عشب أخضر تتمدد إلى كل مساحة الأرض الجرداء؛ في العراق وفي المنطقة عموما والعالم صار جليا إن النظام الإيراني وأدواته تطرد الحياة وتتمدد على حساب المستقبل لأنها تعمل على طريقة مجاورة مقر ميليشيا لروضة الأطفال.

المنطقة الخضراء في بغداد والتي أصبحت رمزا لعملية سياسية أجهزت على طموحات الشعب العراقي خلال 14 سنة من حكم التحريض الطائفي وإشاعة لون الموت والتفرقة وصراخ الكراهية وخطابات قادة الميليشيات.

من الخطأ الرهان على حكام حزب الدعوة وغيره من الأحزاب الدينية والسياسية ومنطقتهم التي أفسدت الأرض العراقية بما يتوجب معالجته، في تغيير التربة وإزالتها إلى عمق سنوات الاحتلال لمعالجة المرض دون ضياع الوقت بمعالجة الأعراض الجانبية التي تسبب فيها.

التغيير الديمغرافي والحرب الطائفية هما إرادة ولاية الفقيه، مع معادلة الأسلحة الفتاكة والتقليدية، تصل بنا إلى أن الإرهاب إضافة لكونه فكرا متطرفا إلا أنه أيضا وظائف سياسية واستخباراتية وغايات توسعية واستيطانية ومجسات لمناورات لا تنتهي، هدفها زراعة نواة طاردة للاستقرار والتقدم.

الحرب الطائفية بميليشياتها وحرسها الثوري وداعش والفصائل المسلحة، تقابلها حرب ليست مماثلة إنما حرب وجود ومقاومة من أجل البقاء، وهذا ما نحذر منه لأن بوادر انتشار الإرادات الصفراء بين القوى لفرض القوة ستتم ترجمتها إلى قوى جذب مقابلة وواسعة لإرهاب متجدد طابعه طائفي وباطنه اللاجدوى والانتقام.

نقول لا للإهانات والإذلال والعذابات التي جرت وتجري في المخيمات وأماكن الاحتجاز. الموصل حرة وإن أكل الإرهاب بكل صنوفه ثدييها، معاملة الأبرياء والعوائل المنكوبة بالحسنى كمواطنين، صك غفران أو نسيان أو تناس من أجل غد يغفر فيه الجميع لبعضهم، وإلا ماذا تعني التسوية السياسية والمجتمعية مع مفارقة الإنتاج الواسع للإرهاب؟

* نقلا عن “العرب