تجرنا الحماسة أحياناً للاصطفاف مع طرف ضد الآخر على أمل أن يكون ذاك الطرف هو المخلص, واثناء ذلك يفوتنا التقييم الموضوعي للإشكال, فنُصدر احكاماً سرعان ما نندم عليها, ثم نخجل من التراجع حتى لا تظهر سطحيتنا .
هناك صراع بين الرئيس هادي ومراكز القوى التقليدية وعلى رأسها الجنرال العجوز محسن, ذلك الصراع لا يتمثل فقط في اسماء القادة المقترح تعيينهم بعد الهيكل الجديد للجيش, بل يمتد الى مصالح هائلة تتمثل في ألوية وهمية بكاملها تتبع بعض الشخصيات القبلية النافذة, وهناك الاف الاسماء الوهمية أيضاً أو غير العاملة التي تتبع قادة بعض الوحدات الرئيسية, تلك المصالح هي ما يجعل المستفيدين منها يستميتون من أجل البقاء في مناصبهم او يسعوا الى شغل مناصب جديدة .
دخل الصراع مرحلة الضرب تحت الحزام بعد التصريحات التي سُربت من طرف يتبع الجنرال العجوز لجريدة القدس العربي حول قيام هادي بتعيين المقربين منه خصوصاً من أبناء منطقته في الكثير من الوظائف العسكرية الحساسة خلال عام من توليه, متجاوزاً ما فعله الرئيس السابق خلال عقود من حكمه لليمن, تلك المعلومات وان كانت غير دقيقة لكن بعضها صحيح وظاهر للعيان ولا يحتاج الى أدلة, فيكفي مراجعة اسماء من تم تعيينهم خلال العام المنصرم لنتأكد منها, الا أن أخطر ما في تلك المعلومات هو اعطاء ابناء هادي صلاحيات غير معلنة في التدخل في شؤون بعض الوزارات أو لإدارة الوية عسكرية بما يحمله ذلك من اهانة لقادة تلك الوحدات .
سبق ونصحنا الرئيس هادي أن يتجنب بناء مركز قوة ثالث موازي لمركزي محسن وصالح لأن ذلك سيجعله طرفاً في الصراع بدل من أن يكون حكماً فيه, لكن البعض أغرى هادي بحجة أن استمراره في الرئاسة مرهون بتعيينه القريبين منه ليُحكم السيطرة على الوضع, متناسين أن تلك المعادلة هي نفسها التي أخرجت صالح من الحكم وأن تكرارها مستحيل .
سكتت مراكز القوى التقليدية عن تعيين هادي للكثير من المقربين منه, ليس حباً في هادي, بل رغبة منها في توريطه في نفس منهجها في ادارة واقتسام الجيش, وبطريقة أوضح فقد بلع هادي الطعم ضناً منه أنه يقوي موقفه, وهو في حقيقة الأمر جُر دون أن يدري الى فخ نثب له بإحكام, وفي أول صراع بينهم أمسكوا هادي من تلك النقطة ” أصحاب أبين ” .
الفرصة لا تزال سانحة أمام هادي ليخرج نفسه من ذلك المأزق ويقوم بمراجعة كل قراراته السابقة ويشكل لجنة من خبراء عسكريين مهنيين من المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة, تكون وضيفة اللجنة ترشيح القيادات العسكرية والأمنية بناء على معايير مهنية عادلة وواضحة وشفافة لا تترك مجالاً للمزايدة, وتضع تلك اللجنة في اعتبارها ان تشمل خريطة القادة مختلف مناطق اليمن و بما لا يخل بالمعايير المهنية الأخرى .
المعايير المهنية كفيلة باستبعاد أغلب القادة السابقين والمحسوبين على مراكز القوى التقليدية, لأن أغلبهم اما فاسدين, أو بدون مؤهلات أو شهادات عليا, أو من من وصلوا الى سن التقاعد, وبذلك سيجنب هادي نفسه عناء الصدام مع تلك المراكز .
أكثر ما نخاف منه أن تستمر الضغوط على هادي بسبب التعيينات السابقة لبعض أبناء منطقته مما يدفعه الى ترضية تلك المراكز ببعض المناصب الحساسة ليسكتوا عن قراراته السابقة, وبذلك تنتهي قرارات الهيكلة الى اقتسام جديد للجيش بين ثلاث قوى ” محسن وصالح وهادي ” .
ليس العيب أن يخطئ الرئيس في بعض التعيينات بِحُسن نية وبسبب أوضاع معينة لكن العيب أن يستمر في الخطأ ويرضخ للابتزاز بتلك الأخطاء, لأن ذلك سيجره الى الفخ أكثر فأكثر الى أن يجد نفسه فاقداً للسيطرة بشكل كامل .
ليعلم الرئيس أن الأرض ستشتعل ناراً تحت أقدامه إذا أعاد تعيين علي محسن الأحمر أو أحمد علي أو المحسوبين عليهم في مناصب جديدة خصوصاً في المنطقة المركزية التي تشمل العاصمة, وستشتعل أيضاً اذا استبعد تلك القوى لحساب نفسه أو منطقته, لذلك فلا مخرج له من الورطة الا بتفعيل المعايير القانونية والمهنية على قراراته السابقة واللاحقة وعلى الجميع بما فيهم أبناء منطقته .
” نقلاً عن صحيفة الأولى “