مديرية جبن وسط اليمن عاصمة الدولة الطاهرية وموطن الطاهريين الذراحن الحميريين
الأحد 8 ذو الحجة 1434ﻫ 13-10-2013م

 


أول من سكنها الذراحن من سرو حمير:جُبَنْ..طبيعة خلابة وسِفْر تاريخي مفتوح

نقلاً عن صحيفة 26 سبتمبر 

الجزيرة برس – مدينة الملوك – الضالع – وسط اليمن / تعتبر جبن من سرو حمير الذي يمتد من غرب وادي بنا الى يافع وأول من سكنها قبل الاسلام هم قبيلة الذراحن إحدى بطون قبائل الحميريين «كما جاء في الإكليل الجزء الثاني»، وهم من أبناء يافع ونسبهم ذرحان بن ولده وجحيملان بن يافع بن حمير» «كما جاءت في الاكليل للمؤرخ الهمداني»، وكانت تسمى مدينة الملوك» كما جاء في كتاب المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام» وقد استند المؤلف على النقوش الحميرية التي تمت ترجمتها من قبل المستشرقين وهي نصوص معروفة وقيمتها التاريخية كبيرة وهنا يؤكد الباحث والمؤرخ عامر طاهر الدرة ان الملك في حمير في بطن ذرحان التي تفرعت منها عدة بطون مثل بني ويس وبني سليمان وبني شامه وبني هادي وبني سعيد وغيرهم والذين يرجع نسبهم الى ذرحان، وحول التسمية «جبن» يقول: عند الرجوع الى الكتب التاريخية تجد أن الجبنين تواجهوا مع المعينيين في معركة قبل الميلاد، وهذه تسمية قديمة وثابتة وتعتبر من المواطن التي انتشرت فيها حمير أو مهد حمير، وهي تمتد في هذه المنطقة من جبن الى يافع، وبالعودة الى جغرافية هذه المنطقة وأهميتها فهي مؤهلة لأن تكون مدينة الملوك بسبب حصانتها الشديدة ووجود القلاع التي يصعب بالمقاييس العسكرية القديمة اختراقها مثل: حصن القلعة وحصن القرين، وهي عبارة عن قلاع جميعها، وقد يكون اسم جبن من الجبانات أو جمع جبانة وهي من مصادرها العربية «مدينة الحصون» والحصن يسمى جبانة وهي تمتد في أكثر جبال مدينة جبن، وقد سميت بمدينة الملوك لحصانتها وكأنها المكان المناسب لحماية بيت الملك بسبب حصانتها الجغرافية، فنجد مناطق في اليمن كثيرة توجد لديها حصانة جغرافية رهيبة كونها في قمم الجبال ومسالكها وعرة، ولكن تنقصها الموارد المائية.

استطلاع: عبده درويش

لكن هذه المنطقة جمعت بين الأمرين الحصانة وكثرة مواردها، بأنها جمعت بين السهول والجبال، فتبقى الجبال محيطة بها وتحمي ملوكها، كذلك لديها موارد مائية كثيرة وعيون وخصوبة أرضها وإتساعها، وقلَّما تجد هذه المميزات في كثير من المدن اليمنية.

كما تتميز هذه المدينة بسورين قديمين، سور من القلعة الى جبل القرين من الجهة الغربية وسور من القلعة الى القرين من الجهة الشرقية، وكانت تتخلل مدينة جبن سواقي ماء وما زالت آثارها موجودة وكانت في نصف المدينة تشبه هذه السواقي سواقي روما، وهي عبارة عن عقود وماء يجري فوق القضاض.

وهناك الكروف المائية والحواجز، وكذلك المدافن التي تخزن فيها الحبوب وهي تزيد عن 360 مدفعماً على عدد أيام السنة وتقع في رأس الجبل، جبل القرين، والأسر كان يطلق عليها «أقيال» أقيال حمير، وكان زخمها ومجدها بعد الاسلام اثناء قيام الدولة الطاهرية واسرة الطاهريين من أسر الذراحن كما جاء في كتاب الأكوع «قرة العيون في أخبار اليمن الميمون»، واصبحت حينها عاصمة لثلاثة ملوك من آل طاهر وهم علي بن طاهر وعلي بن طاهر ايضاً، وعبدالوهاب بن طاهر، ثم انتقلت العاصمة «عاصمة الحكم» الى المقرانة في عهد الملك عامر بن عبدالوهاب بن داوود وهي قرية من قرى جبن تبعد مسافة 51كيلومتر من مدينة جبن.

وحول الحصون فيؤكد الباحث عامر أن هناك حصوناً كثيرة وقلاعاً البعض منها تهدم واندثر بسبب عوامل التعرية والبعض الآخر أخذ المواطنون أجزاء كثيرة من مكوناتها واستخدموها في البناء لمنازلهم وذلك لجهلهم بالقيمة التاريخية لهذه المباني الأثرية في ظل عدم الاهتمام من الجهات المعنية.. وإذا مررت ببعض المنازل في مدينة جبن فسترى تلك الصخور التي تظهر عليها النقوش بالخط المسند، وأهم هذه الحصون وأشهرها واكبرها هو حصن في جبل القلعة والتي يوجد بها آثار القصور التي مازالت قائمة والتي تعد من اغرب واحسن قلاع اليمن، حيث كانت الانقلابات في عهد الدولة الطاهرية تبدأ منها، فمثلاً في عهد يوسف بن عامر بن طاهر عندما سيطر عليها احدث مشاكل كثيرة في اليمن وكأنها محور ارتكاز في الحكم.

وهناك حصن القرية وحصن قرعد وحصن هران وحصن الذراحن، وهناك حصون كثيرة ومنها حصن المصنعة وهي مدينة حميرية تاريخية قديمة، ويواصل المؤرخ عامر الحديث فيقول:

ومن خلال هذه الآثار والمعطيات التي ذكرناها سابقاً، تعتبر هذه المدينة مركزاً من مراكز الحكم الحميري وكأنها المنبع لملوك حمير، فكانت عواصم قد تتغير في ظفار او غيرها لكن منبعها من هذه المدينة استناداً الى كتب التاريخ والمصادر الأخرى، وعن حدود جبن يقول: وحدود جبن يحدها من جهة الشرق يافع والبيضاء، وذي ناعم ورداع والرياشية من جهة الشمال، والحبيشية ومريس من جهة الغرب، ومديرية الشعيب من جهة الجنوب.

ومساحة جبن المديرية 1300كيلو متر مربع، ونهاية حدودها من الجهة الجنوبية والغربية هو وادي بنا والمديرية من اهم المناطق الأثرية في اليمن نظراً لكثرة آثارها الجاهلية والإسلامية وهي بحاجة الى بعثات اثرية لاستكشاف ما بها من كنوز أثرية ونقوش نادرة قد تظهر أموراً جديدة وغائبة عن أذهاننا وتثير تساؤلات كثيرة ليس حول تاريخ جبن فقط، ولكن حول تاريخ اليمن بشكل عام.

عامرية جبن

وهناك حقائق كثيرة عن علماء مدينة جبن حيث كانت صرحاً من صروح العلم، ويقال أن سند القرآن الكريم انتهى في اليمن جميعها ولم يبق إلا السند الذي كان في المدرسة المنصورية بمدينة جبن وهو الذي حفظ سند القرآن الكريم متصلاً بالرسول صلى الله عليه وسلم على يد شيخ مذكور اسمه في مراجع علم القرآن وسندها، في المدرسة المنصورية التي نسميها مدرسة العامرية بمدينة جبن التي بناها تقريباً السلطان عبدالوهاب بن داوود بن طاهر عام 887ه، وكذلك الجامع الكبير الذي بناه علي بن طاهر، وهذه المساجد والمدارس لعلها بنيت على أنقاض معابد وقصور حميرية، لأننا نجد الأعمدة الرخامية القديمة قلما نجد نظيراً لها في اليمن، حيث فيها اشارات الى العهد الحميري او السبئي وهذا مما يعزز مكانتها في ذلك التاريخ ويضيف الباحث عامر: وبعد سقوط الدولة الطاهرية على يد الشراكسه «المماليك» والذي شكل كارثة لليمن بشكل عام، حيث لم تقم دولة بديلة بل انتهى الحكم الى القبيلة والمشائخ واستمر الأمر حتى أيام الاستعمار البريطاني في جنوب الوطن الذي قصف جزءاً من المدرسة وهو الجزء الشرقي وقد قام الأهالي بجزء من الترميم لكنه لم يكن بالشكل المطلوب.

وحسب توجيهات الرئيس السابق علي عبدالله صالح عند زيارته لمديرية جبن في سبتمبر 2005م، الآن تقوم وزارة الثقافة بالترميم المناسب.. فهي تحفة إسلامية وتتميز عن مدرسة العامرية برداع بوجود المنارة فيها، وبها من الآثار التي تطغى على اي مسجد نظراً لوجود هذه العمدان، وهناك من يقول انها -اي الاعمدة- منقولة من مأرب أو قصور ظفار.. ولكن هذا الكلام ليس له أي سند تاريخي بل إنها من بقايا القصور الحميرية التي كانت في جبن ومازالت آثار هذه القصور زاخرة بها مدينة جبن، ونسأل الله أن يعيننا على استكمال ترميمها، وهناك مرقد وعلم ملوك بني طاهر وغير ذلك من الشواهد التاريخية الحيِّة على أصالة هذه المدينة.

وعشمنا من الجهات المعنية الاهتمام بهذه المدينة واحياء الحرف التي كانت موجودة بها من خلال اليهود الذين استوطنوها حتى عام 1949م.

وكذلك الأربطة.. أربطة العلم التي كانت مشهورة ويأتي إليها طلاب العلم من أرجاء اليمن حيث نهبت ثروتها العلمية والثقافية بعد عهد العثمانيين – أي من عهد الأئمة, فأخذوا المخطوطات والمؤلفات العلمية النفيسة مما أفقد مدينة جبن بعضاً من ملامحها وهويتها التاريخية. جبل تنحم

هذا الجبل نموذج واحد من جبال جبن الكثيرة والمتشابهه التي لا يخلو اي منها من النقوش للخط المسند الحميري، وكأنها تحرس هذه المدينة فالتسمية «نخم» كما هو واضح حميرية.

وهذا الجبل فيه من العجائب الكثيرة .. لقد صعدناه حبواً ونزلنا منه حبواً رغم أننا لم نستطع الوصول الى قمته .. يطلق عليه الاهالي في مدينة جبن «ضاحة الفرث» أي المكان المرتفع والصعب الوصول إليه أو تسلقه . اما الفرث فهو بقايا أو مخلفات الحيوانات مثل البقر والغنم والخيول وغيرها، كما انهم يطلقون على هذا الجبل مساكن وحصون الجن.

فأنت عندما تصل الى هذا الموقع وتدقق النظر فيه يخيل اليك وكأن الساكنين تركوه للتو ، فبقايا مخلفات الحيوانات واخشاب السلالم المتناثرة والمتوزعة تصاعدياً  والكتابة على الاحجار والصخور التي تصدعت نتيجة عوامل التعرية ومازالت تتساقط وغيرها كالمعابد القديمة وآثار القرابين التي تقدم، كل ذلك يطرح اكثر من علامة استفهام وتعجب!!.

فضلاً عن طبيعة الأحجار الكريمة المنتشرة في سفح هذا الجبل وما حوله وهي بحاجة الى بحث وتنقيب لمعرفة مكنون سرها .. حيث والاهالي لا يملكون إلا نسبتها الى العصر الجاهلي واذا ترجمت تلك النقوش الحميرية فهي بالتأكيد ستفصح عن اسرار كثيرة ومراحل تاريخية كانت غائبة عن مسيرة وتاريخ حضارة جبن التي تشع اصالة وحضارة ناهيك عن الثروة المعدنية المختلفة التي تزخر بها تلك الجبال والوديان والقيعان المنبسطة.

اما الجهة المقابلة من الجبل نفسه فهي اكثر دهشة وغرابة ، حيث كنا في شدة الارهاق والتعب واصر علينا سائق السيارة والدليل الذي قادنا اثناء هذه الرحلة الشاقة ويدعى «ذياب» بأن نزور هذا المكان الذي يطلق عليه الدخله قطعنا مسافة على الاقدام تقدر ب750 متراً بين الاشجار الكثيفة والصخور حيث قادتنا تلك الطريق الى ادغال وكهوف لانهاية لها وهي كهوف دائرية محفورة بالزبر والبعض مثقوبة باليد وتحتوي على احواض مياه بنيت تصاعدياً .. سرنا فيها حتى انطفأ الشمع بعد فقد الاكسجين ثم عدنا ادراجنا بعد ان سيطر علينا الخوف حتى لا يحصل لنا ما لا يحمد عقباه.

سألنا الدليل وبعض الاهالي عن منتهى هذه الكهوف فأخبرونا ان منتهاها هو قمة الجبل التي تصل الى 2000 متر فوق سطح البحر وهذه الكهوف ابدعتها يد الانسان اليمني منذ القدم وهي تستخدم اثناء الحروب وعند الحصار وان الاجداد يعرفون مسالكها جيداً فرأينا ان المسالة بحاجة الى وقت ومغامرة عاقبتها غير محسوبة فالافضل ان نتركها للمختصين في هذا الشأن التقطنا بعض الصور وغادرنا.

كان ذلك من جهة جنوب المدينة اما من جهة شمالها فهناك دخلة اخرى اسفل جبل آخر ولكن هذه مكشوفة يصل الزائر لها الى منبع الماء وهي بما يشبه السرداب ومحفورة بالزبر والحديد في الصخر الاصم يسير فيها الانسان مسافة تزيد عن 600 متر مشياً على الاقدام ومازال الناس من ابناء المدينة يرتادونها رغم انها اصبحت معلماً سياحياً فريداً يعتبر شاهداً حياً على ابداع ورقي حياة الانسان اليمني وتسخير مظاهر الطبيعة لكل احتياجاته.

في نفس اليوم ولان مدة زيارتي كانت قصيرة ولاول مرة لمدينة جبن بدعوة من الشيخ ابراهيم مجلي شيخ مشايخ جبن وتنسيق الزميل الشاعر عبدالناصر مجلي كان هناك اصرار من الشيخ وكذلك الزملاء من الفريق المرافق الباحث والمؤرخ عامر طاهر الذي ازاح بعض الغموض عن جهلنا بتلك الجبال والمناطق التاريخية والاثرية وكذا المصور الفوتوغرافي عبدالكريم الدرة وولده والشيخ طلال مجلي الدليل الآخر في الرحلة – بأن نزور «بنا».

ونزولاً عند رغبتهم ورغم الارهاق الذي كان يسيطر على كامل جسمي إلا ان الفضول الصحفي لم يترك لي الفرصة للخلود الى الراحة فما علينا الا ان نشد العزم ونشحذ الهمم نحو تلك المنطقة بإتجاه طريق لم تكتمل سفلتتها، وهي كما قيل لنا اقرب الطرق الى عدن ومسافتها لا تزيد عن 100 كيلو متر تمر بمريس ونقيل الشيم والشعيب وغيرها حتى عدن وقد لعبت هذه الجبال وتلك المناطق ادواراً كبيرة اثناء الحروب وخصوصاً ما كان يسمى بحروب الجبهة في المناطق الوسطى .

واعتقد انها اعظم واكثر تحصناً من مناطق تورا بورا في افغانستان، ما علينا إلاًًّ أن نعود الى منابع بنا والتي يقال بأنها المنابع الاصلية لوادي بنا حيث تلك الغيول والينابيع المائية تتجه جنوباً نحو وادي بنا وتشكل روافد مهمة لهذا الوادي وهي منطقة خضراء وجميلة وبها غابات من الاشجار والنباتات الكثيفة إلا انها لم تحظى بالحضور الاعلامي الكافي الذي يبرزها كوجهة سياحية مهمة .. وهناك قصة يحكيها لنا أهالي جبن عندما سألنا عن شجرة الكافور الباسقة وسط تلك الينابيع وكأنها شاهد حي على تاريخ هذه المنطقة والقصة مفادها ان هذه الشجرة زرعتها احدى البريطانيات قبل 50 سنة في هذا المكان وكانت تتعهدها كلما جاءت من بلادها حيث وهي كانت متزوجة من احد ابناء المنطقة المغتربين ، وكانت تلك المرأة تقضي ليالي وايام طويلة وبعد ان توفى زوجها لم تنقطع زيارتها لهذا المكان وتعهدها المستمر لهذه الشجرة التي اعتبرتها اغلى ذكرى لديها لنصف قرن من الزمان.

هذه بعض الملامح عن جبن والتي طفنا بها خلال يومين اما اذا اردنا ان نعطيها حقها المسألة بحاجة الى اكثر من شهر لان جبن سفر تاريخي وحضاري مفتوح.

 

 نقلاً عن صحيفة وزارة الدفاع اليمنية 26 سبتمبر